responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 498
نِعْمَتُهُ فِيمَا زَوَى عَنِّي مِنَ الدُّنْيَا أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَتِهِ فِيمَا بَسَطَ لِي مِنْهَا، إِنِّي رَأَيْتُهُ أَعْطَاهَا قَوْمًا فَاغْتَرُّوا.
إِذَا عَمَّ بِالسَّرَّاءِ أَعْقَبَ شُكْرَهَا ... وَإِنْ مَسَّ بِالضَّرَّاءِ أَعْقَبَهَا الْأَجْرُ
وَمَا مِنْهُمَا إِلَّا لَهُ فِيهِ نِعْمَةٌ ... تَضِيقُ بِهَا الْأَوْهَامُ وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ
فَإِنْ قُلْتَ: فَهَلْ يَشْهَدُ مِنَّتَهُ فِيمَا لَحِقَهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالذَّنْبِ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، إِذَا اقْتَرَنَ بِهَا التَّوْبَةُ النَّصُوحُ، وَالْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ، كَانَتْ مِنْ أَعْظَمَ الْمِنَنِ عَلَيْهِ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ.

فَصْلٌ.
قَالَ: وَسَمَاعُ الْخَاصَّةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: شُهُودُ الْمَقْصُودِ فِي كُلِّ رَمْزٍ، وَالْوُقُوفُ عَلَى الْغَايَةِ فِي كُلِّ حِينٍ، وَالْخَلَاصُ مِنَ التَّلَذُّذِ بِالتَّفَرُّقِ.
وَالْمَقْصُودُ فِي كُلِّ رَمْزٍ: هُوَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَإِنَّ الْمَسْمُوعَ كُلَّهُ يُعَرِّفُ بِهِ وَبِصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ، وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَعَدْلِهِ وَفَضْلِهِ، وَهَذَا الشُّهُودُ يُنَالُ بِالسَّمَاعِ بِاللَّهِ وَلِلَّهِ وَفِي اللَّهِ وَمِنَ اللَّهِ.
أَمَّا السَّمَاعُ بِهِ: فَأَنْ لَا يَسْمَعَ وَفِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ بَقِيَّةٌ قَطَعَهَا كَمَالُ تَعَلُّقِهِ بِالْمَسْمُوعِ، فَيَكُونُ سَمَاعُهُ بِقَيُّومِيَّتِهِ مُجَرَّدًا مِنَ الْتِفَاتِهِ إِلَى نَفْسِهِ.
وَأَمَّا السَّمَاعُ لَهُ: فَأَنْ يُجَرِّدَ النَّفْسَ فِي السَّمَاعِ مِنْ كُلِّ إِرَادَةٍ تُزَاحِمُ مُرَادَ اللَّهِ مِنْهُ. وَتَجَمُّعُ قُوَى سَمْعِهِ عَلَى تَحْصِيلِ مُرَادِ اللَّهِ مِنَ الْمَسْمُوعِ.
وَأَمَّا السَّمَاعُ فِيهِ: فَشَأْنٌ آخَرُ، وَهُوَ تَجْرِيدُ مَا لَا يَلِيقُ نِسْبَتُهُ إِلَى الْحَقِّ مِنْ وَصْفٍ، أَوْ سِمَةٍ أَوْ نَعْتٍ، أَوْ فِعْلٍ، مِمَّا هُوَ لَائِقٌ بِكَمَالِهِ، فَيُثْبِتُ لَهُ مَا يَلِيقُ بِكَمَالِهِ مِنَ الْمَسْمُوعِ، وَيُنَزِّهُهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ.
وَهَذَا الْمَوْضِعُ لَمْ يَتَخَلَّصْ فِيهِ إِلَّا الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ، وَأَضَلَّ اللَّهُ عَنْهُ أَهْلَ التَّحْرِيفِ وَالتَّعْطِيلِ، وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ، وَ {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213] .

اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 498
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست