responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 496
الْأَحْمَقِ الْفَاجِرِ، الَّذِي هُوَ الشَّيْطَانُ، وَكَذَلِكَ النَّوْحُ ضِدُّ الصَّبْرِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّائِحَةِ وَقَدْ ضَرَبَهَا حَتَّى بَدَا شَعْرُهَا وَقَالَ: لَا حُرْمَةَ لَهَا، إِنَّهَا تَأْمُرُ بِالْجَزَعِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَتَنْهَى عَنِ الصَّبْرِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَتَفْتِنُ الْحَيَّ وَتُؤْذِي الْمَيِّتَ، وَتَبِيعُ عَبْرَتَهَا، وَتَبْكِي شَجْوَ غَيْرِهَا.
وَمَعْلُومٌ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ أَنَّ فِتْنَةَ سَمَاعِ الْغَنَاءِ وَالْمَعَازِفِ أَعْظَمُ مِنْ فِتْنَةِ النَّوْحِ بِكَثِيرٍ، وَالَّذِي شَاهَدْنَاهُ نَحْنُ وَغَيْرُنَا وَعَرَفْنَاهُ بِالتَّجَارِبِ أَنَّهُ مَا ظَهَرَتِ الْمَعَازِفُ وَآلَاتُ اللَّهْوِ فِي قَوْمٍ، وَفَشَتْ فِيهِمْ، وَاشْتَغَلُوا بِهَا، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ، وَبُلُوا بِالْقَحْطِ وَالْجَدْبِ وَوُلَاةِ السُّوءِ، وَالْعَاقِلُ يَتَأَمَّلُ أَحْوَالَ الْعَالَمِ وَيَنْظُرُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَلَا تَسْتَطِلْ كَلَامَنَا فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَإِنَّ لَهَا عِنْدَ الْقَوْمِ شَأْنًا عَظِيمًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: مَنْ أَنْكَرَ عَلَى أَهْلِهِ فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَى كَذَا وَكَذَا وَلِيٍّ لِلَّهِ، فَحُجَّةٌ عَامِّيَّةٌ، نَعَمْ إِذَا أَنْكَرَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَانَ مَاذَا؟ فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ عَدَدًا، وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ قَدْرًا، وَأَقْرَبُ بِالْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ عَهْدًا، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ وَلِيِّ اللَّهِ الْعِصْمَةُ، وَقَدْ تَقَاتَلَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فِي صِفِّينَ بِالسُّيُوفِ، وَلَمَّا سَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ كَانَ يُقَالُ: سَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَكَوْنُ وَلِيِّ اللَّهِ يَرْتَكِبُ الْمَحْظُورَ وَالْمَكْرُوهَ مُتَأَوِّلًا أَوْ عَاصِيًا لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنَ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَصْلِ وِلَايَةِ اللَّهِ، وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَقَدِّمِينَ حَضَرَ هَذَا السَّمَاعَ الْمُحْدَثَ الْمُبْتَدَعَ، الْمُشْتَمِلَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الَّتِي تَفْتِنُ الْقُلُوبَ أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَشْرُوبِ، وَحَاشَا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا السَّمَاعُ الَّذِي اخْتَلَفَ فِيهِ مَشَايِخُ الْقَوْمِ: اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَانٍ خَالٍ مِنَ الْأَغْيَارِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ، وَيَتْلُونَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَقُومُ بَيْنَهُمْ قَوَّالٌ يُنْشِدُهُمْ شَيْئًا مِنَ الْأَشْعَارِ الْمُزَهِّدَةِ فِي الدُّنْيَا، الْمُرَغِّبَةِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ، وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَيُنَبِّهُهُمْ عَلَى بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ مِنْ يَقَظَةٍ أَوْ غَفْلَةٍ، أَوْ بُعْدٍ أَوِ انْقِطَاعٍ، أَوْ تَأَسُّفٍ عَلَى فَائِتٍ، أَوْ تَدَارُكٍ لِفَارِطٍ، أَوْ وَفَاءٍ بِعَهْدٍ، أَوْ تَصْدِيقٍ بِوَعْدٍ، أَوْ ذِكْرِ قَلَقٍ وَشَوْقٍ، أَوْ خَوْفِ فُرْقَةٍ أَوْ صَدٍّ، وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى.
فَهَذَا السَّمَاعُ الَّذِي اخْتَلَفَ فِيهِ الْقَوْمُ، لَا سَمَاعُ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ، وَالْمَعَازِفِ وَالْخَمْرِيَّاتِ. وَعِشْقُ الصُّوَرِ مِنَ الْمُرْدَانِ وَالنِّسْوَانِ، وَذِكْرُ مَحَاسِنِهَا وَوِصَالِهَا وَهِجْرَانِهَا، فَهَذَا لَوْ سُئِلَ عَنْهُ مَنْ سُئِلَ مِنْ أُولِي الْعُقُولِ لَقَضَى بِتَحْرِيمِهِ، وَعَلِمَ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يَأْتِي بِإِبَاحَتِهِ

اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 496
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست