responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 490
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ السَّمَاعِ.
فَيُقَالُ لَكَ: أَيَّ السَّمَاعَاتِ تَعْنِي؟ وَأَيَّ الْمَسْمُوعَاتِ تُرِيدُ؟ فَالسَّمَاعَاتُ وَالْمَسْمُوعَاتُ مِنْهَا الْمُحَرَّمُ، وَالْمَكْرُوهُ، وَالْمُبَاحُ، وَالْوَاجِبُ، وَالْمُسْتَحَبُّ، فَعَيِّنْ نَوْعًا يَقَعُ الْكَلَامُ فِيهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا.
فَإِنْ قُلْتَ: سَمَاعُ الْقَصَائِدِ، قِيلَ لَكَ: أَيَّ الْقَصَائِدِ تَعْنِي؟ مَا مُدِحَ بِهِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَدِينُهُ وَكِتَابُهُ، وَهُجِيَ بِهِ أَعْدَاؤُهُ؟ .
فَهَذِهِ لَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ يَرْوُونَهَا وَيَسْمَعُونَهَا وَيَتَدَارَسُونَهَا، وَهِيَ الَّتِي سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَأَثَابَ عَلَيْهَا، وَحَرَّضَ حَسَّانَ عَلَيْهَا، وَهِيَ الَّتِي غَرَّتْ أَصْحَابَ السَّمَاعِ الشَّيْطَانِيِّ، فَقَالُوا: تِلْكَ قَصَائِدُ، وَسَمَاعُنَا قَصَائِدُ، فَنَعَمْ إِذَنْ، وَالسُّنَّةُ كَلَامٌ، وَالْبِدْعَةُ كَلَامٌ، وَالتَّسْبِيحُ كَلَامٌ، وَالْغِيبَةُ كَلَامٌ، وَالدُّعَاءُ كَلَامٌ، وَالْقَذْفُ كَلَامٌ، وَلَكِنْ هَلْ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ سَمَاعَكُمْ هَذَا الشَّيْطَانِيَّ الْمُشْتَمِلَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَفْسَدَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ أَشَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ إِلَى بَعْضِهَا؟ .
وَنَظِيرُ هَذَا: مَا غَرَّهُمْ مِنَ اسْتِحْسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّوْتَ الْحَسَنَ بِالْقُرْآنِ، وَأَذَنِهِ لَهُ وَإِذْنِهِ فِيهِ، وَمَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ.
فَنَقَلُوا هَذَا الِاسْتِحْسَانَ إِلَى صَوْتِ النِّسْوَانِ وَالْمُرْدَانِ وَغَيْرِهِمْ، بِالْغَنَاءِ الْمَقْرُونِ بِالْمَعَازِفِ وَالشَّاهِدِ، وَذِكْرِ الْقَدِّ وَالنَّهْدِ وَالْخَصْرِ، وَوَصْفِ الْعُيُونِ وَفِعْلِهَا، وَالشَّعْرِ الْأَسْوَدِ، وَمَحَاسِنِ الشَّبَابِ، وَتَوْرِيدِ الْخُدُودِ، وَذِكْرِ الْوَصْلِ وَالصَّدِّ، وَالتَّجَنِّي وَالْهِجْرَانِ، وَالْعِتَابِ وَالِاسْتِعْطَافِ، وَالِاشْتِيَاقِ، وَالْقَلَقِ وَالْفِرَاقِ، وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى، مِمَّا هُوَ أَفْسَدُ لِلْقَلْبِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، بِمَا لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا، وَأَيُّ نِسْبَةٍ لِمَفْسَدَةِ سُكْرِ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ إِلَى سَكْرَةِ الْعِشْقِ الَّتِي لَا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهَا إِلَّا فِي عَسْكَرِ الْهَالِكِينَ، سَلِيبًا حَرْبِيًّا، أَسِيرًا قَتِيلًا؟ .
وَهَلْ تُقَاسُ سَكْرَةُ الشَّرَابِ بِسَكْرَةِ الْأَرْوَاحِ بِالسَّمَاعِ؟ وَهَلْ يُظَنُّ بِحَكِيمٍ أَنْ يُحَرِّمَ سُكْرًا لِمَفْسَدَةٍ فِيهِ مَعْلُومَةٍ، وَيُبِيحَ سُكْرًا مَفْسَدَتُهُ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَفْسَدَةِ الشَّرَابِ؟ حَاشَا أَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ.
فَإِنْ نَازَعُوا فِي سُكْرِ السَّمَاعِ، وَتَأْثِيرِهِ فِي الْعُقُولِ وَالْأَرْوَاحِ خَرَجُوا عَنِ الذَّوْقِ وَالْحِسِّ، وَظَهَرَتْ مُكَابَرَةُ الْقَوْمِ، فَكَيْفَ يَحْمِي الطَّبِيبُ الْمَرِيضَ عَمَّا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ صِحَّتَهُ،

اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 490
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست