responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 475
بِدُونِ عَلَائِقِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عِنْدَهُمْ هُوَ حَضْرَةُ الْجَمْعِ، وَهَذَا مَوْضِعُ مَزِلَّةِ أَقْدَامٍ، وَمَضَلَّةِ أَفْهَامٍ، لَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِهِ، فَنَقُولُ:
التَّفْرِقَةُ تَفْرِقَتَانِ: تَفْرِقَةٌ فِي الْمَفْعُولَاتِ، وَتَفْرِقَةٌ فِي مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَالْجَمْعُ جَمْعَانِ: جَمْعٌ فِي الْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ، وَجَمْعٌ ذَاتِيٌّ.
فَالْجَمْعُ فِي الْحَكَمِ الْكَوْنِيِّ: اجْتِمَاعُ الْمَفْعُولَاتِ كُلِّهَا فِي الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَالْحُكْمِ، وَالْجَمْعُ الذَّاتِيُّ: اجْتِمَاعُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فِي الذَّاتِ.
فَالذَّاتُ وَاحِدَةٌ جَامِعَةٌ لِلْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
وَالْقَدَرُ جَامِعٌ لِجَمِيعِ الْمُقْتَضَيَاتِ وَالْمَقْدُورَاتِ، وَالشُّهُودُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى هَذَا وَهَذَا.
فَشُهُودُ اجْتِمَاعِ الْكَائِنَاتِ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَهُوَ لَا يُعْطِي إِيمَانًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَعْلَى مَقَامَاتِ الْإِحْسَانِ، وَالْفَنَاءُ فِي هَذَا الشُّهُودِ: غَايَتُهُ فَنَاءٌ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ وَحْدَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ.
وَشُهُودُ اجْتِمَاعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فِي وَحْدَةِ الذَّاتِ: شُهُودٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ شُهُودٌ مُطَابِقٌ لِلْحَقِّ فِي نَفْسِهِ.
وَأَمَّا الصُّعُودُ عَنْ شُهُودِ تَفْرِقَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَعَلَائِقِهَا إِلَى وَحْدَةِ الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ مَعْذُورًا لِضِيقِ قَلْبِهِ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْمُودًا فِي شُهُودِهِ ذَاتًا مُجَرَّدَةً عَنْ كُلِّ اسْمٍ وَصِفَةٍ وَعَنْ عَلَائِقِهَا فَكَلَّا وَلَمَّا.
وَأَيُّ إِيمَانٍ يُعْطِي ذَلِكَ؟ وَأَيُّ مَعْرِفَةٍ؟ وَإِنَّمَا هُوَ سَلْبٌ وَنَفْيٌ فِي الشُّهُودِ، كَالسَّلْبِ وَالنَّفْيِ فِي الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ، فَنِسْبَتُهُ إِلَى الشُّهُودِ كَنِسْبَةِ نَفْيِ الْجَهْمِيَّةِ وَسَلْبِهِمْ إِلَى الْأَخْبَارِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ السَّلْبَ فِي الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ، مُخَالِفٌ لِلْحَقِّ الثَّابِتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَكَذِبٌ عَلَى اللَّهِ، وَنَفْيٌ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، وَمَعَانِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى.
وَأَمَّا هَذَا السَّلْبُ: فَنَفْيُ الشُّعُورِ بِهِ لِلصُّعُودِ مِنْهُ إِلَى الْجَمْعِ الذَّاتِيِّ مَعَ الْإِيمَانِ بِهِ، وَالِاعْتِرَافِ بِثُبُوتِهِ، فَهَذَا لَوْنٌ وَذَاكَ لَوْنٌ.
وَالْكَمَالُ: شُهُودُ الْأَمْرِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ الذَّاتَ مَوْصُوفَةً بِصِفَاتِ الْجَلَالِ، مَنْعُوتَةً بِنُعُوتِ الْكَمَالِ، وَكُلَّمَا كَثُرَ شُهُودُهُ لِمَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ كَانَ أَكْمَلَ.
نَعَمْ قَدْ يُعْذَرُ فِي الْفَنَاءِ فِي الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ، لِقُوَّةِ الْوَارِدِ، وَضَعْفِ الْمَحَلِّ عَنْ شُهُودِ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.

اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 475
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست