responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 422
أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ مَنْ لَا يَعْلَمُ لَقَلَّ الْخِلَافُ.
وَهَذَا الْمَشْهَدُ أَجَلُّ مَنْ أَنْ يُحِيطَ بِهِ كِتَابٌ، أَوْ يَسْتَوْعِبَهُ خِطَابٌ، وَإِنَّمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ أَدْنَى إِشَارَةٍ تَطَّلِعُ عَلَى مَا وَرَاءَهَا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ الْمُعِينُ.

[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ التَّاسِعُ مَشْهَدُ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَتَعَدُّدِ شَوَاهِدِهِ]
وَهَذَا مِنْ أَلْطَفِ الْمَشَاهِدِ، وَأَخَصِّهَا بِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَعَلَّ سَامِعَهُ يُبَادِرُ إِلَى إِنْكَارِهِ، وَيَقُولُ: كَيْفَ يَشْهَدُ زِيَادَةَ الْإِيمَانِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي؟ وَلَا سِيَّمَا ذُنُوبَ الْعَبْدِ وَمَعَاصِيهِ، وَهَلْ ذَلِكَ إِلَّا مُنْقِصٌ لِلْإِيمَانِ، فَإِنَّهُ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ.
فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا حَاصِلٌ مِنَ الْتِفَاتِ الْعَارِفِ إِلَى الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَإِلَى تَرَتُّبِ آثَارِهَا عَلَيْهَا، وَتَرَتُّبُ هَذِهِ الْآثَارِ عَلَيْهَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَبُرْهَانٌ مِنْ بَرَاهِينِ صِدْقِ الرُّسُلِ، وَصِحَّةِ مَا جَاءُوا بِهِ، فَإِنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَمَرُوا الْعِبَادَ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ ظَوَاهِرِهِمْ وَبَوَاطِنِهِمْ، فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَنَهَوْهُمْ عَمَّا فِيهِ فَسَادُ ظَوَاهِرِهِمْ وَبَوَاطِنِهِمْ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَأَخْبَرُوهُمْ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يُحِبُّ كَذَا وَكَذَا، وَيُثِيِّبُ عَلَيْهِ بِكَذَا وَكَذَا، وَأَنَّهُ يُبْغِضُ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ بِكَيْتَ وَكَيْتَ، وَأَنَّهُ إِذَا أُطِيعَ بِمَا أَمَرَ بِهِ شَكَرَ عَلَيْهِ بِالْإِمْدَادِ وَالزِّيَادَةِ، وَالنِّعَمِ، فِي الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ، وَوَجَدَ الْعَبْدُ زِيَادَتَهُ وَقُوَّتَهُ فِي حَالِهِ كُلِّهَا، وَأَنَّهُ إِذَا خُولِفَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ، تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ، وَالْفَسَادِ، وَالضَّعْفِ، وَالذُّلِّ وَالْمَهَانَةِ، وَالْحَقَارَةِ، وَضِيقِ الْعَيْشِ وَتَنَكُّدِ الْحَيَاةِ مَا تَرَتَّبَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] وَقَالَ {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} [النحل: 30] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] وَفُسِّرَتِ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا فِي الدُّنْيَا وَفِي الْبَرْزَخِ، فَإِنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ، فَلَهُ مِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ، وَنَكَدِ الْعَيْشِ، وَكَثْرَةِ الْخَوْفِ، وَشِدَّةِ الْحِرْصِ وَالتَّعَبِ عَلَى الدُّنْيَا، وَالتَّحَسُّرِ عَلَى فَوَاتِهَا قَبْلَ

اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 422
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست