responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 417
مَحْضِ الْمَشِيئَةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَلَا حِكْمَةٍ.
وَقَابَلَهُمُ الْقَدَرِيَّةُ النُّفَاةُ، فَفَسَّرُوا التَّوْفِيقَ بِالْبَيَانِ الْعَامِّ، وَالْهُدَى الْعَامِّ، وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الطَّاعَةِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا، وَتَهْيِئَةِ أَسْبَابِهَا، وَهَذَا حَاصِلٌ لِكُلِّ كَافِرٍ وَمُشْرِكٍ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ، وَتَمَكَّنَ مِنَ الْإِيمَانِ.
فَالتَّوْفِيقُ عِنْدَهُمْ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ، إِذِ الْإِقْدَارُ وَالتَّمْكِينُ وَالدَّلَالَةُ وَالْبَيَانُ قَدْ عَمَّ بِهِ الْفَرِيقَيْنِ، وَلَمْ يُفْرِدِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَهُمْ بِتَوْفِيقٍ وَقَعَ بِهِ الْإِيمَانُ مِنْهُمْ، وَالْكَفَّارَ بِخِذْلَانٍ امْتَنَعَ بِهِ الْإِيمَانُ مِنْهُمْ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَكَانَ عِنْدَهُمْ مُحَابَاةً وَظُلْمًا.
وَالْتَزَمُوا لِهَذَا الْأَصْلِ لَوَازِمَ، قَامَتْ بِهَا عَلَيْهِمْ سُوقُ الشَّنَاعَةِ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ، وَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الْتِزَامِهَا، فَظَهَرَ فَسَادُ مَذْهَبِهِمْ، وَتَنَاقُضُ قَوْلِهِمْ، لِمَنْ أَحَاطَ بِهِ عِلْمًا، وَتَصَوَّرَهُ حَقَّ تَصَوُّرِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَبْطَلِ مَذْهَبٍ فِي الْعَالَمِ وَأَرْدَئِهِ.
وَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، فَلَمْ يَرْضَوْا بِطَرِيقِ هَؤُلَاءِ، وَلَا بِطَرِيقِ هَؤُلَاءِ، وَشَهِدُوا انْحِرَافَ الطَّرِيقَيْنِ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَأَثْبَتُوا الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ، وَعُمُومَ مَشِيئَةِ اللَّهِ لِلْكَائِنَاتِ، وَأَثْبَتُوا الْأَسْبَابَ وَالْحِكَمَ، وَالْغَايَاتِ وَالْمَصَالِحَ، وَنَزَّهُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يَشَاءُ، أَوْ أَنْ يَقْدِرَ خَلْقُهُ عَلَى مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَلَا مَشِيئَتِهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَاقِعًا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَبِدُونِ مَشِيئَتِهِ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَلَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ، وَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ كَمَالَ الرُّبُوبِيَّةِ.

اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 417
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست