responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 396
قَتَلُوا وَزَنَوْا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَاهُ كَفَّارَةً، فَنَزَلَ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] الْآيَةَ، فَهَذِهِ فِي أُولَئِكَ، وَأَمَّا الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] فَالرَّجُلُ إِذَا عَرَفَ الْإِسْلَامَ وَشَرَائِعَهُ ثُمَّ قَتَلَ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لَمَّا نَزَلَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] عَجِبْنَا مِنْ لِينِهَا فَلَبِثْنَا سَبْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ نَزَلَتِ الْغَلِيظَةُ بَعْدَ اللَّيِّنَةِ فَنَسَخَتِ اللَّيِّنَةَ، وَأَرَادَ بِالْغَلِيظَةِ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَبِاللَّيِّنَةِ آيَةَ الْفُرْقَانِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آيَةُ الْفُرْقَانِ مَكِّيَّةٌ، وَآيَةُ النِّسَاءِ مَدَنِيَّةٌ، نَزَلَتْ وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ.
قَالَ هَؤُلَاءِ: وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا مُتَعَذَّرَةٌ إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِاسْتِحْلَالِهِ أَوْ إِعَادَةِ نَفْسِهِ الَّتِي فَوَّتَهَا عَلَيْهِ إِلَى جَسَدِهِ إِذِ التَّوْبَةُ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِأَحَدِهِمَا، وَكِلَاهُمَا مُتَعَذَّرٌ عَلَى الْقَاتِلِ، فَكَيْفَ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ مِنْ حَقِّ آدَمِيٍّ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَحِلَّهُ مِنْهُ؟ .
وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ هَذَا فِي الْمَالِ إِذَا مَاتَ رَبُّهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ إِيَّاهُ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إِيصَالِ نَظِيرِهِ إِلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ.
قَالُوا: وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا أَنَّ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنَ الْقَتْلِ وَتَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ فَالتَّوْبَةُ مِنْهُ مُمْكِنَةٌ، وَأَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّ فَالتَّوْبَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَدَائِهِ إِلَيْهِ وَاسْتِحْلَالِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ.
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] فَهَذِهِ فِي حَقِّ التَّائِبِ وَبِقَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] فَهَذِهِ فِي حَقِّ غَيْرِ التَّائِبِ; لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الشِّرْكِ وَمَا دُونَهُ، وَعَلَّقَ الْمَغْفِرَةَ بِالْمَشِيئَةِ فَخَصَّصَ وَعَلَّقَ

اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 396
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست