responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 360
صَلَاحُهُمْ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَأَحَدُهُمْ تَلْقَاهُ بَيْنَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ فِي الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالزُّهْدِ وَالِاجْتِهَادِ {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205] .
فَهُمْ جِنْسٌ بَعْضُهُ يُشْبِهُ بَعْضًا، يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ بَعْدَ أَنْ يَفْعَلُوهُ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ بَعْدَ أَنْ يَتْرُكُوهُ، وَيَبْخَلُونَ بِالْمَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ أَنْ يُنْفِقُوهُ، كَمْ ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ بِنِعَمِهِ فَأَعْرَضُوا عَنْ ذِكْرِهِ وَنَسُوهُ؟ وَكَمْ كَشَفَ حَالَهُمْ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَجْتَنِبُوهُ؟ فَاسْمَعُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنِينَ {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67] .
إِنْ حَاكَمْتَهُمْ إِلَى صَرِيحِ الْوَحْيِ وَجَدْتَهُمْ عَنْهُ نَافِرِينَ، وَإِنْ دَعْوَتَهُمْ إِلَى حُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتَهُمْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ، فَلَوْ شَهِدْتَ حَقَائِقَهُ لَرَأَيْتَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهُدَى أَمَدًا بَعِيدًا، وَرَأَيْتَهَا مُعْرِضَةً عَنِ الْوَحْيِ إِعْرَاضًا شَدِيدًا {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء: 61] .
فَكَيْفَ لَهُمْ بِالْفَلَاحِ وَالْهُدَى! بَعْدَمَا أُصِيبُوا فِي عُقُولِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ؟ وَأَنَّى لَهُمُ التَّخَلُّصُ مِنَ الضَّلَالِ وَالرَّدَى! وَقَدِ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِإِيمَانِهِمْ؟ فَمَا أَخْسَرَ تِجَارَتَهُمُ الْبَائِرَةَ! وَقَدِ اسْتَبْدَلُوا بِالرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ حَرِيقًا {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: 62] .
نَشَبَ زَقُّومُ الشُّبَهِ وَالشُّكُوكِ فِي قُلُوبِهِمْ، فَلَا يَجِدُونَ لَهُ مُسِيغًا {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63] .
تَبًّا لَهُمْ، مَا أَبْعَدَهُمْ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ! وَمَا أَكْذَبَ دَعْوَاهُمْ لِلتَّحْقِيقِ وَالْعِرْفَانِ، فَالْقَوْمُ فِي شَأْنٍ وَأَتْبَاعُ الرَّسُولِ فِي شَأْنٍ، لَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ فِي كِتَابِهِ بِنَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ قَسَمًا عَظِيمًا، يَعْرِفُ مَضْمُونَهُ أُولُو الْبَصَائِرِ، فَقُلُوبُهُمْ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ إِجْلَالًا لَهُ وَتَعْظِيمًا، فَقَالَ تَعَالَى تَحْذِيرًا لِأَوْلِيَائِهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى حَالِ هَؤُلَاءِ وَتَفْهِيمًا

اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 360
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست