responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 348
وَأَمَّا جَحْدُ ذَلِكَ جَهْلًا، أَوْ تَأْوِيلًا يُعْذَرُ فِيهِ صَاحِبُهُ فَلَا يُكَفَّرُ صَاحِبُهُ بِهِ، كَحَدِيثِ الَّذِي جَحَدَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يَحْرِقُوهُ وَيَذْرُوهُ فِي الرِّيحِ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَرَحِمَهُ لِجَهْلِهِ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي فَعَلَهُ مَبْلَغَ عِلْمِهِ، وَلَمْ يَجْحَدْ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى إِعَادَتِهِ عِنَادًا أَوْ تَكْذِيبًا.

[فَصْلٌ الشِّرْكُ نَوْعَانِ أَكْبَرُ وَأَصْغَرُ]
فَصْلٌ الشِّرْكُ
وَأَمَّا الشِّرْكُ، فَهُوَ نَوْعَانِ: أَكْبَرُ وَأَصْغَرُ، فَالْأَكْبَرُ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا، يُحِبُّهُ كَمَا يُحِبُّ اللَّهَ، وَهُوَ الشِّرْكُ الَّذِي تَضَمَّنَ تَسْوِيَةَ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلِهَذَا قَالُوا لِآلِهَتِهِمْ فِي النَّارِ {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97 - 98] مَعَ إِقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، وَأَنَّ آلِهَتَهُمْ لَا تَخْلُقُ وَلَا تُرْزَقُ، وَلَا تُحْيِي وَلَا تُمِيتُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْعِبَادَةِ كَمَا هُوَ حَالُ أَكْثَرِ مُشْرِكِي الْعَالَمِ، بَلْ كُلُّهُمْ يُحِبُّونَ مَعْبُودَاتِهِمْ وَيُعَظِّمُونَهَا وَيُوَالُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ - بَلْ أَكْثَرُهُمْ - يُحِبُّونَ آلِهَتَهُمْ أَعْظَمَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِذِكْرِهِمْ أَعْظَمَ مِنِ اسْتِبْشَارِهِمْ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ، وَيَغْضَبُونَ لِمُنْتَقِصِ مَعْبُودِيهِمْ وَآلِهَتِهِمْ - مِنَ الْمَشَايِخِ - أَعْظَمَ مِمَّا يَغْضَبُونَ إِذَا انْتَقَصَ أَحَدٌ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَإِذَا انْتُهِكَتْ حُرْمَةٌ مِنْ حُرُمَاتِ آلِهَتِهِمْ وَمَعْبُودَاتِهِمْ غَضِبُوا غَضَبَ اللَّيْثِ إِذَا حَرِدَ، وَإِذَا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُ اللَّهِ لَمْ يَغْضَبُوا لَهَا، بَلْ إِذَا قَامَ الْمُنْتَهِكُ لَهَا بِإِطْعَامِهِمْ شَيْئًا رَضُوا عَنْهُ، وَلَمْ تَتَنَكَّرْ لَهُ قُلُوبُهُمْ، وَقَدْ شَاهَدْنَا هَذَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا مِنْهُمْ جَهْرَةً، وَتَرَى أَحَدَهُمْ قَدِ اتَّخَذَ ذِكْرَ إِلَهِهِ وَمَعْبُودِهِ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِهِ دَيْدَنًا لَهُ إِنْ قَامَ وَإِنْ قَعَدَ، وَإِنْ عَثَرَ وَإِنْ مَرِضَ وَإِنِ اسْتَوْحَشَ، فَذِكْرُ إِلَهِهِ وَمَعْبُودِهِ مِنْ دُونِ اللَّهِ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، وَهُوَ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ بَابُ حَاجَتِهِ إِلَى اللَّهِ، وَشَفِيعُهُ عِنْدَهُ، وَوَسِيلَتُهُ إِلَيْهِ.
وَهَكَذَا كَانَ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ سَوَاءً، وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الَّذِي قَامَ بِقُلُوبِهِمْ، وَتَوَارَثَهُ الْمُشْرِكُونَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ آلِهَتِهِمْ، فَأُولَئِكَ كَانَتْ آلِهَتُهُمْ مِنَ الْحَجَرِ وَغَيْرُهُمُ اتَّخَذُوهَا مِنَ

اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 348
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست