responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 324
قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: اللَّمَمُ النَّظَرُ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ، فَهُوَ مَغْفُورٌ، فَإِنْ أَعَادَ النَّظَرَ فَلَيْسَ بِلَمَمٍ، وَهُوَ ذَنْبٌ، وَقَدْ رَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ... وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا
»
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّمَمَ مَا فَعَلُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ، فَاللَّهُ لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: أَنْتُمْ بِالْأَمْسِ كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ اللَّمَمَ صَغَائِرُ الذُّنُوبِ، كَالنَّظْرَةِ، وَالْغَمْزَةِ، وَالْقُبْلَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَسْرُوقٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: إِنَّهُ يُلِمُّ بِالْكَبِيرَةِ ثُمَّ لَا يَعُودُ إِلَيْهَا، فَإِنَّ اللَّمَمَ إِمَّا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا، وَيَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ، كَمَا قَالَ الْكَلْبِيُّ، أَوْ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ أَلْحَقَا مَنِ ارْتَكَبَ الْكَبِيرَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً - وَلَمْ يُصِرَّ عَلَيْهَا، بَلْ حَصَلَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ فِي عُمْرِهِ - بِاللَّمَمِ، وَرَأَيَا أَنَّهَا إِنَّمَا تَتَغَلَّظُ وَتَكْبُرُ وَتَعْظُمُ فِي حَقِّ مَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ مِرَارًا عَدِيدَةً، وَهَذَا مِنْ فِقْهِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَوْرِ عُلُومِهِمْ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ يُسَامِحُ عَبْدَهُ الْمَرَّةَ وَالْمَرَّتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، وَإِنَّمَا يُخَافُ الْعَنَتُ عَلَى مَنِ اتَّخَذَ الذَّنْبَ عَادَتَهُ، وَتَكَرَّرَ مِنْهُ مِرَارًا كَثِيرَةً، وَفِي ذَلِكَ آثَارٌ سَلَفِيَّةٌ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْوَاقِعِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ دُفِعَ إِلَيْهِ سَارِقٌ، فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ مَا سَرَقْتُ غَيْرَ هَذِهِ الْمَرَّةِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، فَلَمَّا قُطِعَتْ يَدُهُ قَالَ: اصْدُقْنِي، كَمْ لَكَ بِهَذِهِ الْمَرَّةِ؟ فَقَالَ: كَذَا وَكَذَا مَرَّةً؟ فَقَالَ: صَدَقْتَ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُ بِأَوَّلِ ذَنْبٍ، أَوْ كَمَا قَالَ، فَأَوَّلُ ذَنْبٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ اللَّمَمَ، فَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ وَنَظِيرُهُ، فَالْقَوْلَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مُتَّفِقَانِ غَيْرُ مُخْتَلِفَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 324
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست