responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 29
آفَاقِ نُفُوسِهِمْ فَلِذَلِكَ لَا يُحِبُّونَهَا، وَكَسَفَتْ شَمْسُهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ ظُلَمِ آرَائِهِمْ وَعَقْدِهَا فَلَيْسُوا يُبْصِرُونَهَا.
خَلَعُوا نُصُوصَ الْوَحْيِ عَنْ سُلْطَانِ الْحَقِيقَةِ، وَعَزَلُوهَا عَنْ وِلَايَةِ الْيَقِينِ، وَشَنُّوا عَلَيْهَا غَارَاتِ التَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِلَةِ، فَلَا يَزَالُ يَخْرُجُ عَلَيْهَا مِنْ جُيُوشِهِمْ كَمِينٌ بَعْدَ كَمِينٍ، نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ نُزُولَ الضَّيْفِ عَلَى أَقْوَامٍ لِئَامٍ، فَعَامَلُوهَا بِغَيْرِ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الْإِجْلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَتَلَقَّوْهَا مِنْ بَعِيدٍ، وَلَكِنْ بِالدَّفْعِ فِي صُدُورِهَا وَالْأَعْجَازِ، وَقَالُوا: مَا لَكِ عِنْدَنَا مِنْ عُبُورٍ، وَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ، فَعَلَى سَبِيلِ الِاجْتِيَازِ، أَنْزَلُوا النُّصُوصَ مَنْزِلَةَ الْخَلِيفَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، لَهُ السَّكَّةُ وَالْخُطْبَةُ وَمَا لَهُ حُكْمٌ نَافِذٌ وَلَا سُلْطَانٌ، الْمُتَمَسِّكُ عِنْدَهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ صَاحِبُ ظَوَاهِرَ، مَبْخُوسٌ حَظُّهُ مِنَ الْمَعْقُولِ، وَالْمُقَلِّدُ لِلْآرَاءِ الْمُتَنَاقِضَةِ الْمُتَعَارِضَةِ وَالْأَفْكَارِ الْمُتَهَافِتَةِ لَدَيْهِمْ هُوَ الْفَاضِلُ الْمَقْبُولُ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، الْمُقَدِّمُونَ لِنُصُوصِهَا عَلَى غَيْرِهَا جُهَّالٌ لَدَيْهِمْ مَنْقُوصُونَ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13] .
حُرِمُوا وَاللَّهِ الْوُصُولَ، بِعُدُولِهِمْ عَنْ مَنْهَجِ الْوَحْيِ، وَتَضْيِيعِهِمُ الْأُصُولَ، وَتَمسَّكُوا بِأَعْجَازٍ لَا صُدُورَ لَهَا، فَخَانَتْهُمْ أَحْرَصَ مَا كَانُوا عَلَيْهَا، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ أَسْبَابُهَا أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهَا، حَتَّى إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ، وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ، وَتَمَيَّزَ لِكُلِّ قَوْمٍ حَاصِلُهُمُ الَّذِي حَصَّلُوهُ، وَانْكَشَفَتْ لَهُمْ حَقِيقَةُ مَا اعْتَقَدُوهُ، وَقَدِمُوا عَلَى مَا قَدَّمُوهُ {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47] وَسَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ عِنْدَ الْحَصَادِ لَمَّا عَايَنُوا غَلَّةَ مَا بَذَرُوهُ.
فَيَا شِدَّةَ الْحَسْرَةِ عِنْدَمَا يُعَايِنُ الْمُبْطِلُ سَعْيَهُ وَكَدَّهُ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَيَا عُظْمَ الْمُصِيبَةِ عِنْدَمَا يَتَبَيَّنُ بَوَارِقَ أَمَانِيهِ خُلَّبًا، وَآمَالَهُ كَاذِبَةً غُرُورًا، فَمَا ظَنُّ مَنِ انْطَوَتْ سَرِيرَتُهُ عَلَى الْبِدْعَةِ وَالْهَوَى وَالتَّعَصُّبِ لِلْآرَاءِ بِرَبِّهِ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ؟ وَعُذْرُ مَنْ نَبَذَ الْوَحْيَيْنِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فِي يَوْمٍ لَا تَنْفَعُ الظَّالِمِينَ فِيهِ الْمَعَاذِرُ؟
أَفَيَظُنُّ الْمُعْرِضُ عَنْ كِتَابِ رَبِّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ رَبِّهِ بِآرَاءِ الرِّجَالِ؟ أَوْ يَتَخَلَّصَ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ بِكَثْرَةِ الْبُحُوثِ وَالْجِدَالِ، وَضُرُوبِ الْأَقْيِسَةِ وَتَنَوُّعِ الْأَشْكَالِ؟ أَوْ بِالْإِشَارَاتِ وَالشَّطَحَاتِ، وَأَنْوَاعِ الْخَيَالِ؟

اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 29
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست