responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 253
شَرْعَ وَلَا جَزَاءَ، وَلَا أَمْرَ وَلَا نَهْيَ، وَلَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ، فَأَخْبَرَ أَنَّ خَلْقَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي تَنَزَّهَ عَنْهُ، وَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي خُلِقَتْ بِهِ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ، وَحَقُّهُ وَجَزَاؤُهُ وَجَزَاءُ مَنْ جَحَدَهُ وَأَشْرَكَ بِرَبِّهِ.
وَقَالَ تَعَالَى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] فَأَنْكَرَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْحُسْبَانَ إِنْكَارَ مُنَبِّهٍ لِلْعَقْلِ عَلَى قُبْحِهِ، وَأَنَّهُ حُكْمٌ سَيِّئٌ، وَالْحَاكِمُ بِهِ مُسِيءٌ ظَالِمٌ، وَلَوْ كَانَ قُبْحُهُ لِكَوْنِهِ خِلَافَ مَا أَخْبَرَ بِهِ لَمْ يَكُنِ الْإِنْكَارُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُبْحِ اللَّازِمِ مِنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُسِيءِ، الْمُسْتَقِرِّ قُبْحُهُ فِي فِطَرِ الْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ، وَلَا كَانَ هُنَا حُكْمٌ سَيِّئٌ فِي نَفْسِهِ يُنْكَرُ عَلَى مَنْ حَكَمَ بِهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28] وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا قَبِيحٌ فِي نَفْسِهِ، مُنْكَرٌ تُنْكِرُهُ الْعُقُولُ وَالْفِطَرُ، أَفَتَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يَلِيقُ بِنَا أَوْ يَحْسُنُ مِنَّا فِعْلُهُ؟ فَأَنْكَرَهُ سُبْحَانَهُ إِنْكَارَ مُنَبِّهٍ لِلْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ عَلَى قُبْحِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ إِنْكَارُهُ سُبْحَانَهُ قُبْحَ الشِّرْكِ بِهِ فِي إِلَهِيَّتِهِ، وَعِبَادَةَ غَيْرِهِ مَعَهُ بِمَا ضَرَبَهُ لَهُمْ مِنَ الْأَمْثَالِ، وَأَقَامَ عَلَى بُطْلَانِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ إِنَّمَا قَبُحَ بِالشَّرْعِ لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ الْأَدِلَّةِ وَالْأَمْثَالِ مَعْنًى.
وَعِنْدَ نُفَاةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْإِشْرَاكِ بِهِ وَبِعِبَادَةِ غَيْرِهِ! وَإِنَّمَا عُلِمَ قُبْحُهُ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ عَنْهُ! .
فَيَا عَجَبًا! أَيُّ فَائِدَةٍ تَبْقَى فِي تِلْكَ الْأَمْثَالِ وَالْحُجَجِ، وَالْبَرَاهِينِ الدَّالَّةِ عَلَى قُبْحِهِ فِي صَرِيحِ الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ؟ وَأَنَّهُ أَقْبَحُ الْقَبِيحِ وَأَظْلَمُ الظُّلْمِ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ يَصِحُّ فِي الْعَقْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِلْمٌ بِقُبْحِ الشِّرْكِ الذَّاتِيِّ، وَأَنَّ الْعِلْمَ بِقُبْحِهِ بَدِيهِيٌّ مَعْلُومٌ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، وَأَنَّ الرُّسُلَ نَبَّهُوا الْأُمَمَ عَلَى مَا فِي عُقُولِهِمْ وَفِطَرِهِمْ مِنْ قُبْحِهِ، وَأَنَّ أَصْحَابَهُ لَيْسَتْ لَهُمْ عُقُولٌ وَلَا أَلْبَابٌ وَلَا أَفْئِدَةٌ، بَلْ نَفَى عَنْهُمُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ، وَالْمُرَادُ سَمْعُ الْقَلْبِ وَبَصَرُهُ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، وَذَلِكَ وَصْفُ قُلُوبِهِمْ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبَصِرُ وَلَا تَنْطِقُ، وَشَبَّهَهُمْ بِالْأَنْعَامِ الَّتِي لَا عُقُولَ لَهَا تُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ، وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَلِذَلِكَ اعْتَرَفُوا فِي

اسم الکتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 253
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست