responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة المؤلف : ابن الموصلي    الجزء : 1  صفحة : 519
اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ تَعَدُّدِ مَحَلِّهِ بِالْكِتَابِ تَارَةً وَبِالرَّقِّ تَارَةً وَبِصُدُورِ الْحُفَّاظِ تَارَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] .
وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي السَّفَرِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ بِمِدَادٍ وَوَرَقٍ وَكَاغَدٍ، وَإِنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنِ السَّفَرِ بِالْكَلَامِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْوَرَقُ وَالْمِدَادُ، فَهُوَ الْمَقْصُودُ لِذَاتِهِ، وَالْوَرَقُ وَالْمِدَادُ مَقْصُودٌ قَصْدَ الْوَسَائِلِ، وَلِهَذَا يَرْغَبُ النَّاسُ فِي الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي يَنْتَفَعُ بِهِ وَيَتَنَافَسُونَ فِيهِ وَيَبْذُلُونَ فِيهِ أَضْعَافَ ثَمَنِ الْكَاغَدِ وَالْمِدَادِ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْكَلَامُ نَفْسُهُ لَا الْمِدَادُ وَالْوَرَقُ.
وَكُلُّ ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ يَعْلَمُ أَنَّ وُجُودَ الْكَلَامِ فِي الْمُصْحَفِ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ وُجُودِ الْحَقَائِقِ الْخَارِجِيَّةِ فِيهَا، وَلَا بِمَنْزِلَةِ وُجُودِهَا فِي مَحَالِّهَا وَأَمَاكِنِهَا وَظُرُوفِهَا، وَيَجِدُ الْفَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْكَلَامِ فِي الْوَرَقَةِ، وَبَيْنَ كَوْنِ الْمَاءِ فِي الظَّرْفِ.
فَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَعَانٍ مُتَمَيِّزَةٍ لَا يُشْبِهُ كُلٌّ مِنْهَا الْآخَرَ، فَإِنَّ الْحَقَائِقَ الْمَوْجُودَةَ لَهَا وُجُودُ عَيْنٍ، ثُمَّ تُعَلَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ يُعَبَّرُ عَنِ الْعِلْمِ بِهَا، ثُمَّ تُكْتَبُ الْعِبَارَةُ عَنْهَا فَهَذَا الْعِلْمُ وَالْعِبَارَةُ وَالْخَطُّ لَيْسَ هُوَ أَعْيَانُ تِلْكَ الْحَقَائِقِ بَلْ هُوَ وُجُودُهَا الذِّهْنِيُّ الْعِلْمِيُّ فِي مَحَلِّهِ، وَهُوَ الْقَلْبُ وَالذِّهْنُ، وَوُجُودُهَا اللَّفْظِيُّ النُّطْقِيُّ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ اللِّسَانُ فِي الْآدَمِيِّ، وَوُجُودُهَا الرَّسْمِيُّ الْخَطِّيُّ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ الْكِتَابُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ حَفْرٍ فِي حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ، وَقَدِ افْتَتَحَ اللَّهُ وَحْيَهُ إِلَى رَسُولِهِ بِإِنْزَالِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1] فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ خَلَقَ الْحَقَائِقَ الْمَوْجُودَةَ، وَعَلَّمَ الْحَقَائِقَ الْعِلْمِيَّةَ، وَذَكَرَ تَعْلِيمَهُ بِالْقَلَمِ وَهُوَ الْخَطُّ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ تَعْلِيمَ الْبَيَانِ النُّطْقِيِّ وَهُوَ الْعِبَارَةُ، وَتَعْلِيمَ الْعِلْمِ بِمَدْلُولِهَا وَهُوَ الصُّورَةُ الْعِلْمِيَّةُ الْمُطَابِقَةُ لِلْحَقِيقَةِ، فَأَوَّلُ الْمَرَاتِبِ الْوُجُودُ الْخَارِجِيُّ، وَبَيْنَهُ

اسم الکتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة المؤلف : ابن الموصلي    الجزء : 1  صفحة : 519
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست