responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة المؤلف : ابن الموصلي    الجزء : 1  صفحة : 191
فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حُصُولُ الْيَقِينِ بِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ الدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ، وَثَبَتَ أَنَّ الدَّلِيلَ النَّقْلِيَّ تَتَوَقَّفُ إِفَادَتُهُ لِلْيَقِينِ عَلَى مُقَدِّمَةٍ غَيْرِ يَقِينِيَّةٍ، وَهِيَ عَدَمُ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ، وَكُلُّ مَا تُنْبِئُ صِحَّتُهُ عَلَى مَا لَا يَكُونُ يَقِينًا لَا يَكُونُ هُوَ أَيْضًا يَقِينًا، فَثَبَتَ أَنَّ الدَّلِيلَ النَّقْلِيَّ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ لَا يَكُونُ مُفِيدًا لِلْيَقِينِ.
قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ لَا يُكْتَفَى مِنْهَا بِأَنْ لَا يُعْلَمَ فَسَادُهَا، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يُعْلَمَ بِالْبَدِيهَةِ صِحَّتُهَا، إِذْ يُعْلَمُ بِالْبَدِيهَةِ لُزُومُهَا مِمَّا عُلِمَ صِحَّتُهُ بِالْبَدِيهَةِ، وَمَتَى كَانَ ذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يُوجَدَ مَا يُعَارِضُهُ لِاسْتِحَالَةِ التَّعَارُضِ فِي الْعُلُومِ الْبَدِيهِيَّةِ.
ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَسْمَعَ الْمُكَلَّفَ الْكَلَامَ الَّذِي يُشْعِرُ ظَاهِرُهُ بِشَيْءٍ، فَلَوْ كَانَ فِي الْعَقْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ شَيْءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِ الْمُكَلَّفِ ذَلِكَ الدَّلِيلَ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ تَلْبِيسًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، قُلْنَا: هَذَا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِذَلِكَ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، فَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُخْطِرَ بِبَالِ الْمُكَلَّفِ ذَلِكَ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ ; وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يَكُونُ مُلَبِّسًا عَلَى الْمُكَلَّفِ لَوْ أَسْمَعَهُ كَلَامًا يَمْتَنِعُ عَقْلًا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إِلَّا مَا أَشْعَرَ بِهِ ظَاهِرُهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الظَّاهِرَ فَتَقْدِيرُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ مُرَادُ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ مَا أَشْعَرَ بِهِ الظَّاهِرُ، فَعَلَى هَذَا إِذَا أَسْمَعَ اللَّهُ الْمُكَلَّفَ ذَلِكَ الْكَلَامَ فَلَوْ قَطَعَ الْمُكَلَّفُ بِحَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كَانَ ذَلِكَ التَّقْصِيرُ وَاقِعًا مِنَ الْمُكَلَّفِ، لَا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، حَيْثُ قَطَعَ لَا فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إِخْطَارِ اللَّهِ تَعَالَى بِبَالِ الْمُكَلَّفِ ذَلِكَ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ الْمُعَارِضَ لِلدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا مُلَبِّسًا، قَالَ: فَخَرَجَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الدَّلَالَةَ النَّقْلِيَّةَ لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهَا فِي بَابِ الْمَسَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ، نَعَمْ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهَا فِي الْمَسَائِلِ النَّقْلِيَّةِ تَارَةً لِإِفَادَةِ الْيَقِينِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِجْمَاعِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَتَارَةً لِإِفَادَةِ الظَّنِّ كَمَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. اهـ كَلَامُهُ.
فَلْيَتَدَبَّرِ الْمُؤْمِنُ هَذَا الْكَلَامَ أَوَّلَهُ عَلَى آخِرِهِ وَآخِرَهُ عَلَى أَوَّلِهِ، لِيَتَبَيَّنَ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ مِنَ الْعَزْلِ التَّامِّ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْهُمَا عِلْمٌ أَوْ يَقِينٌ فِي بَابِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ، وَمَا يَجِبُ لَهُ وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِكَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّدْلِيسُ عَلَى الْخَلْقِ وَتَوْرِيطُهُمْ فِي طُرُقِ

اسم الکتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة المؤلف : ابن الموصلي    الجزء : 1  صفحة : 191
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست