responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة المؤلف : ابن الموصلي    الجزء : 1  صفحة : 163
وَالشُّرْبِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ ; لِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ عَدَمَ كَمَالِ غِنَاهُ، وَإِذَا كَانَ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْعَدَمَ أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ عُلِمَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِكُلِّ وُجُودٍ وَثُبُوتٍ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمًا وَلَا نَقْصًا.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ الْعَقْلِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الْوُجُودُ الدَّائِمُ الْقَدِيمُ الْوَاجِبُ بِنَفَسِهِ الَّذِي لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَوُجُودُ كُلِّ مَوْجُودٍ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ، وَمُتَوَقِّفٌ فِي تَحْقِيقِهِ عَلَيْهِ، وَالْوُجُودُ كَمَالٌ كُلُّهُ، وَالْعَدَمُ نَقْصٌ كُلُّهُ، فَإِنَّ الْعَدَمَ كَاسْمِهِ لَا شَيْءَ، فَعَادَ النَّفْيُ الصَّحِيحُ إِلَى نَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْكَمَالِ، وَعَادَ الْأَمْرَانِ إِلَى نَفْيِ النَّقْصِ، وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ نَفْيُ الْعَدَمِ وَمَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْعَدَمِ، فَتَأَمَّلْ هَلْ نَفَى الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ عَنْهُ سُبْحَانَهُ سِوَى ذَلِكَ؟ وَتَأَمَّلْ هَلْ يَنْفِي الْعَقْلُ الصَّحِيحُ غَيْرَ ذَلِكَ؟ وَهُوَ سُبْحَانُهُ قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ بَعْدَ وَصْفِهِ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ الصَّمَدُ، وَالصَّمَدُ: السَّيِّدُ الَّذِي كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا بِهَذَا الِاسْمِ لِكَثْرَةِ الْأَوْصَافِ الْمَحْمُودَةِ لِلْمُسَمَّى بِهِ، قَالَ شَاعِرُهُمْ:
أَلَا بَكْرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدٍ ... بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدِ
فَإِنَّ الصَّمَدَ مَنْ تَصْمُدُ نَحْوَهُ الْقُلُوبُ بِالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ خِصَالِ الْخَيْرِ فِيهِ، لِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ، مِنْهُمُ: ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّمَدُ: الَّذِي كَمُلَ سُؤْدُدُهُ، وَهُوَ الْعَالِمُ الَّذِي كَمُلَ عِلْمُهُ، الْقَادِرُ الَّذِي كَمُلَتْ قُدْرَتُهُ، الْحَلِيمُ الَّذِي كَمُلَ حِلْمُهُ، الرَّحِيمُ الَّذِي كَمُلَتْ رَحْمَتُهُ، الْجَوَادُ الَّذِي كَمُلَ جُودُهُ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ فَقَوْلُهُ لَا يُنَاقِضُ هَذَا التَّفْسِيرَ، فَإِنَّ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ كُفُوًا لَهُ لَمَا كَانَ صَمَدًا كَامِلًا فِي صَمَدَانِيَّتِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صِفَاتُ كَمَالٍ وَنُعُوتُ جَلَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ وَلَا يَقُومُ بِهِ فِعْلٌ، وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا الْبَتَّةَ، وَلَا حَيَاةَ لَهُ وَلَا إِرَادَةَ وَلَا كَلَامَ وَلَا وَجْهَ وَلَا يَدَ، وَلَا هُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ وَلَا يَرْضَى وَلَا يَغْضَبُ وَلَا يُحِبُّ وَلَا يَبْغَضُ، وَلَا هُوَ فَاعِلٌ لِمَا يُرِيدُ، وَلَا يَرَى وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى، وَلَا يُشَارَ إِلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ، لَكَانَ الْعَدَمُ الْمَحْضُ كُفُوًا لَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى الْمَعْدُومِ، فَلَوْ كَانَ مَا يَقُولُهُ الْمُعَطِّلُونَ هُوَ الْحَقُّ لَمْ يَكُنْ صَمَدًا وَكَانَ الْعَدَمُ كُفُوًا لَهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا سَمِيَّ لَهُ عَقِبَ قَوْلِ الْعَارِفِينَ بِهِ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا - رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 64 - 65] .

اسم الکتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة المؤلف : ابن الموصلي    الجزء : 1  صفحة : 163
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست