responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 90
بِحَرْفِ الْجَرِّ وَبِالتَّضْعِيفِ، نَحْوُ: جَلَسْتُ بِهِ وَأَجْلَسْتُهُ وَقُمْتُ بِهِ وَأَقَمْتُهُ، وَنَظَائِرِهِ، وَهُنَا لَا يَقُومُ مَقَامَ الْهَمْزَةِ غَيْرُهَا، فَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّعْدِيَةِ الْمُجَرَّدَةِ أَيْضًا، فَإِنَّهَا تُجَامِعُ بَاءَ التَّعْدِيَةِ، نَحْوُ: أَكْرِمْ بِهِ وَأَحْسِنْ بِهِ، وَلَا يُجْمَعُ عَلَى الْفِعْلِ بَيْنَ تَعْدِيَتَيْنِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا أَعْطَاهُ لِلدَّرَاهِمِ، وَأَكْسَاهُ لِلثِّيَابِ، وَهَذَا مِنْ أَعْطَى وَكَسَا الْمُتَعَدِّي، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ نَقْلِهِ إِلَى " عَطَوَ ": إِذَا تَنَاوَلَ ثُمَّ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ هَمْزَةُ التَّعْدِيَةِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ التَّعَجُّبَ إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ إِعْطَائِهِ، لَا مِنْ عَطْوِهِ وَهُوَ تَنَاوُلُهُ، وَالْهَمْزَةُ الَّتِي فِيهِ هَمْزَةُ التَّعَجُّبِ وَالتَّفْضِيلِ، وَحُذِفَتْ هَمْزَتُهُ الَّتِي فِي فِعْلِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: هِيَ لِلتَّعْدِيَةِ.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ عُدِّيَ بِاللَّامِ فِي نَحْوِ: مَا أَضْرَبَهُ لِزَيْدٍ. . . إِلَى آخِرِهِ، فَالْإِتْيَانُ بِاللَّامِ هَاهُنَا لَيْسَ لِمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ لُزُومِ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا أُتِيَ بِهَا تَقْوِيَةً لَهُ لَمَّا ضَعُفَ بِمَنْعِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَأُلْزِمَ طَرِيقَةً وَاحِدَةً خَرَجَ بِهَا عَنْ سُنَنِ الْأَفْعَالِ، فَضَعُفَ عَنِ اقْتِضَائِهِ وَعَمَلِهِ، فَقَوِيَ بِاللَّامِ كَمَا يَقْوَى بِهَا عِنْدَ تَقَدُّمِ مَعْمُولِهِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ فَرْعِيَّتِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا تَرَاهُ.
فَلْنَرْجِعْ إِلَى الْمَقْصُودِ فَنَقُولُ: تَقْدِيرُ أَحْمَدَ عَلَى قَوْلِ الْأَوَّلِينَ: أَحْمَدُ النَّاسِ لِرَبِّهِ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ: أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ بِأَنْ يُحْمَدَ، فَيَكُونُ كَمُحَمَّدٍ فِي الْمَعْنَى، إِلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ " مُحَمَّدًا " هُوَ كَثِيرُ الْخِصَالِ الَّتِي يُحْمَدُ عَلَيْهَا، وَ" أَحْمَدُ " هُوَ الَّذِي يُحْمَدُ أَفْضَلَ مِمَّا يُحْمَدُ غَيْرُهُ، فَمُحَمَّدٌ فِي الْكَثْرَةِ وَالْكَمِّيَّةِ، وَأَحْمَدُ فِي الصِّفَةِ وَالْكَيْفِيَّةِ، فَيَسْتَحِقُّ مِنَ الْحَمْدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ، وَأَفْضَلَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ، فَيُحْمَدُ أَكْثَرَ حَمْدٍ وَأَفْضَلَ حَمْدٍ حَمِدَهُ الْبَشَرُ. فَالِاسْمَانِ وَاقِعَانِ عَلَى الْمَفْعُولِ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي مَدْحِهِ وَأَكْمَلُ مَعْنًى. وَلَوْ أُرِيدَ مَعْنَى الْفَاعِلِ لَسُمِّيَ الْحَمَّادَ، أَيْ كَثِيرَ الْحَمْدِ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْثَرَ الْخَلْقِ حَمْدًا لِرَبِّهِ، فَلَوْ كَانَ اسْمُهُ أَحْمَدَ بِاعْتِبَارِ حَمْدِهِ لِرَبِّهِ لَكَانَ الْأَوْلَى بِهِ الْحَمَّادَ كَمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ أُمَّتُهُ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ إِنَّمَا اشْتُقَّا مِنْ أَخْلَاقِهِ وَخَصَائِصِهِ

اسم الکتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 90
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست