اسم الکتاب : بدائع الفوائد المؤلف : ابن القيم الجزء : 1 صفحة : 190
وتركه فإن عطفت فمن حيث قصدت تعداد الصفات وهي متغايرة وإن لم تعطف فمن حيث كان في كل منهما ضمير هو الأول فعلى الوجه الأول تقول زيد فقيه شاعر كاتب وعلى الثاني فقيه وشاعر وكاتب كأنك عطفت بالواو الكتابة على الشعر وحيث لم تعطف أتبعت الثاني الأول لأنه هو من حيث اتحد الحامل للصفات وأما في أسماء الرب تبارك وتعالى فأكثر ما يجيء في القرآن الكريم بغير عطف نحو السميع العليم العزيز الحكيم الغفور الرحيم الملك القدوس السلام إلى آخرها وجاءت معطوفة في موضعين أحدهما في أربعة أسماء وهي الأول والآخر والظاهر والباطن الحديد 3 والثاني في بعض الصفات بالاسم الموصول مثل قوله: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} ونظيره: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا} فأما ترك العطف في الغالب فلتناسب معاني تلك الأسماء وقرب بعضها من بعض وشعور الذهن بالثاني منها شعوره بالأول ألا ترى أنك إذا شعرت بصفة المغفرة انتقل ذهنك منها إلى الرحمة وكذلك إذا شعرت بصفة السمع انتقل الذهن إلى البصر وكذلك: {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} وأما تلك الأسماء الأربعة فهي ألفاظ متباينة المعاني متضادة الحقائق في أصل موضوعها وهي متفقة المعاني متطابقة في حق الرب تعالى لا يبقى منها معنى بغيره بل هو أول كما أنه آخر وظاهر كما أنه باطن ولا يناقض بعضها بعضا في حقه فكان دخول الواو صرفا لوهم المخاطب قبل التفكر والنظر عن توهم المحال واحتمال الأضداد لأن الشيء لا يكون ظاهرا باطنا من وجه واحد وإنما يكون ذلك باعتبارين فكان العطف هاهنا أحسن من تركه لهذه الحكمة هذا جواب السهيلي وأحسن منه أن يقال لما كانت هذه الألفاظ دالة على معاني متباينة وأن الكمال في الاتصاف بها على تباينها أتى بحرف العطف الدال على التغاير بين المعطوفات إيذانا بأن هذه المعاني مع تباينها فهي ثابتة
اسم الکتاب : بدائع الفوائد المؤلف : ابن القيم الجزء : 1 صفحة : 190