responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الوابل الصيب من الكلم الطيب المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 62
ببصائر الإيمان مشاهدة نسبتها إلى القلب نسبة المرئيات إلى العين ذلك لاستيلاء اليقين عليها وانكشاف حقائق الإيمان لها، حتى كأنها تنظر إلى عرش الرحمن تبارك وتعالى بارزاً وإلى استوائه عليه كما أخبر به سبحانه وتعالى في كتابه وكما أخبر به عنه رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدبر أمر الممالك ويأمر وينهي، ويخلق ويرزق، ويميت ويحي، ويقضي وينفذ ويعز ويذل ويقلب الليل والنهار، ويداول الأيام بين الناس، ويقلب الدول فيذهب بدولة ويأتي بأخرى، والرسل من الملائكة عليهم الصلاة والسلام بين صاعد إليه بالأمر ونازل من عنده به، وأوامره ومراسيمه متعاقبة على تعاقب الآيات، نافذة بحسب إرادته، فما شاء كما شاء في الوقت الذي يشاء على الوجه الذي يشاء، من غير زيادة ولا نقصان ولا تقدم ولا تأخر، وأمره وسلطانه نافذ في السماوات وأقطارها، وفي الأرض وما عليها وما تحتها، وفي البحار والجو، وفي سائر أجزاء العالم وذراته، يقلبها ويصرفها ويحدث فيها ما يشاء، وقد أحاط بكل شئ علماً، وأحصى كل شئ عدداً، ووسع كل شئ رحمة وحكمة، ووسع سمعه الأصوات فلا تختلف عليه ولا تشتبه عليه.
بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على كثرة حاجاتها، لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه كثرة المسائل ولا يتبرم بإلحاح ذوي الحاجات، وأحاط بصره بجميع المرئيات فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، فالغيب عنده شهادة والسر عنده علانية، يعلم السر وأخفى من السر، فالسر ما انطوى عليه ضمير العبد وخطر بقلبه ولم تتحرك به شفتاه، وأخفى منه ما لم يخطر بعد فيعلم أنه سيخطر بقلبه كذا وكذا في وقت كذا وكذا، له الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة، وله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، له الملك كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله، شملت قدرته كل شئ ووسعت رحمته كل شئ وسعت نعمته إلى كل حي.
{يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن} .
يغفر ذنباً، ويفرج هماً، ويكشف كرباً، ويجبر كسيراً، ويغني فقيراً، ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيران، ويغيث لهفان، ويفك عانياً، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتل، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً ويقصم جباراً، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن روعة، ويرفع أقواماً ويضع آخرين، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور: لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلفه ويمينه ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء

اسم الکتاب : الوابل الصيب من الكلم الطيب المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 62
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست