responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 94
وَالْمَعَاصِي ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ فِيهِ حَدٌّ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالْقَذْفِ. فَهَذَا يَكْفِيهِ الْحَدُّ عَنْ الْحَبْسِ وَالتَّعْزِيرِ. وَنَوْعٌ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَلَا حَدَّ فِيهِ، كَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ وَنَهَارِ رَمَضَانَ، وَوَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ، فَهَذَا تُغْنِي فِيهِ الْكَفَّارَةُ عَنْ الْحَدِّ.
وَهَلْ تَكْفِي عَنْ التَّعْزِيرِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْفُقَهَاءِ، وَهُمَا لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. وَنَوْعٌ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَلَا حَدَّ، كَسَرِقَةِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالنَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا يَسُوغُ فِيهِ التَّعْزِيرُ وُجُوبًا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَجَوَازًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
ثُمَّ إنْ كَانَ الضَّرْبُ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ، مِثْلَ أَنْ يَضْرِبَهُ لِيُؤَدِّبَ بِهِ. فَهَذَا لَا يَتَقَدَّرُ بَلْ يَضْرِبُ يَوْمًا، فَإِنْ فَعَلَ الْوَاجِبَ وَإِلَّا ضُرِبَ يَوْمًا آخَرَ بِحَسَبِ مَا يَحْتَمِلُهُ، وَلَا يَزِيدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عَلَى مِقْدَارِ أَعْلَى التَّعْزِيرِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِقْدَارِ التَّعْزِيرِ عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَعَلَى قَدْرِ الْجَرِيمَةِ، فَيَجْتَهِدُ فِيهِ وَلِيُّ الْأَمْرِ.
الثَّانِي: وَهُوَ أَحْسَنُهَا - أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ فِي مَعْصِيَةٍ قَدْرَ الْحَدِّ فِيهَا، فَلَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ عَلَى النَّظَرِ وَالْمُبَاشَرَةِ حَدَّ الزِّنَا، وَلَا عَلَى السَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ حَدَّ الْقَطْعِ، وَلَا عَلَى الشَّتْمِ بِدُونِ الْقَذْفِ حَدَّ الْقَذْفِ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ أَدْنَى الْحُدُودِ: إمَّا أَرْبَعِينَ، وَإِمَّا ثَمَانِينَ وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِالتَّعْزِيرِ الْقَتْلَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: " يَجُوزُ، كَقَتْلِ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ، إذَا اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ قَتْلَهُ "، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ نَحْوَ ذَلِكَ فِي قَتْلِ الدَّاعِيَةِ إلَى الْبِدْعَةِ، كَالتَّجَهُّمِ وَالرَّفْضِ، وَإِنْكَارِ الْقَدَرِ. وَقَدْ قَتَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ غَيْلَانَ الْقَدَرِيَّ، لِأَنَّهُ كَانَ دَاعِيَةً إلَى بِدْعَتِهِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَلِكَ قَتْلُ مَنْ لَا يَزُولُ فَسَادُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ. وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَتْلِ

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 94
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست