responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 5
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْكُبْرَى فَقَالَ سُلَيْمَانُ " ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا " فَسَمَحَتْ الْكُبْرَى بِذَلِكَ فَقَالَتْ الصُّغْرَى: " لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُك اللَّهُ، هُوَ ابْنُهَا " فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى، فَأَيُّ شَيْءٍ أَحْسَنُ مِنْ اعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ، فَاسْتَدَلَّ بِرِضَا الْكُبْرَى بِذَلِكَ، وَأَنَّهَا قَصَدَتْ الِاسْتِرْوَاحَ إلَى التَّأَسِّي بِمُسَاوَاةِ الصُّغْرَى فِي فَقْدِ وَلَدِهَا، وَبِشَفَقَةِ الصُّغْرَى عَلَيْهِ، وَامْتِنَاعِهَا مِنْ الرِّضَا بِذَلِكَ: عَلَى أَنَّهَا هِيَ أُمُّهُ، وَأَنَّ الْحَامِلَ لَهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ هُوَ مَا قَامَ بِقَلْبِهَا مِنْ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ الَّتِي وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِ الْأُمِّ، وَقَوِيَتْ هَذِهِ الْقَرِينَةُ عِنْدَهُ، حَتَّى قَدَّمَهَا عَلَى إقْرَارِهَا، فَإِنَّهُ حَكَمَ بِهِ لَهَا مَعَ قَوْلِهَا " هُوَ ابْنُهَا ".
وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ اطَّلَعَ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ أَبَدًا.
وَلِذَلِكَ أَلْغَيْنَا إقْرَارَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ بِمَالٍ لِوَارِثِهِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ التُّهْمَةِ وَاعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةِ الْحَالِ فِي قَصْدِهِ تَخْصِيصَهُ.
وَمِنْ تَرَاجِمِ قُضَاةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ تَرْجَمَةُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ " قَالَ: " التَّوْسِعَةُ لِلْحَاكِمِ فِي أَنْ يَقُولَ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَا يَفْعَلُهُ أَفْعَلُ كَذَا؛ لِيَسْتَبِينَ بِهِ الْحَقَّ ".
ثُمَّ تَرْجَمَ عَلَيْهِ تَرْجَمَةً أُخْرَى أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ، فَقَالَ: " الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا يَعْتَرِفُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، إذَا تَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ " فَهَكَذَا يَكُونُ الْفَهْمُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
ثُمَّ تَرْجَمَ عَلَيْهِ تَرْجَمَةً أُخْرَى فَقَالَ: " نَقْضُ الْحَاكِمِ مَا حَكَمَ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ، أَوْ أَجَلُّ مِنْهُ " فَهَذِهِ ثَلَاثُ قَوَاعِدَ وَرَابِعَةٌ: وَهِيَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَهِيَ الْحُكْمُ بِالْقَرَائِنِ وَشَوَاهِدِ الْحَالِ.
وَخَامِسَةٌ: وَهِيَ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْوَلَدَ لَهُمَا، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَهَذِهِ خَمْسُ سُنَنٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ الشَّاهِدِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ شَهَادَتَهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعِبْهُ بَلْ حَكَاهَا مُقَرِّرًا لَهَا، فَقَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: 25] {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [يوسف: 26] {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 27] {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 28]

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 5
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست