responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 45
وَقَالَ الْأَصْبَغُ بْنُ نَبَاتَةَ: إنَّ شَابًّا شَكَا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفَرًا، فَقَالَ: إنَّ هَؤُلَاءِ خَرَجُوا مَعَ أَبِي فِي سَفَرٍ. فَعَادُوا وَلَمْ يَعُدْ أَبِي، فَسَأَلْتهمْ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، فَسَأَلْتهمْ عَنْ مَالِهِ؟ فَقَالُوا: مَا تَرَكَ شَيْئًا، وَكَانَ مَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، وَتَرَافَعْنَا إلَى شُرَيْحٍ، فَاسْتَحْلَفَهُمْ وَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، فَدَعَا عَلِيٌّ بِالشُّرَطِ، فَوَكَّلَ بِكُلِّ رَجُلٍ رَجُلَيْنِ، وَأَوْصَاهُمْ أَلَّا يُمَكِّنُوا بَعْضَهُمْ أَنْ يَدْنُوَ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يَدَعُوا أَحَدًا يُكَلِّمُهُمْ، وَدَعَا كَاتِبَهُ، وَدَعَا أَحَدَهُمْ.
فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَبِي هَذَا الْفَتَى: فِي أَيِّ يَوْمٍ خَرَجَ مَعَكُمْ؟ وَفِي أَيِّ مَنْزِلٍ نَزَلْتُمْ؟ وَكَيْفَ كَانَ سَيْرُكُمْ؟ وَبِأَيِّ عِلَّةٍ مَاتَ؟ وَكَيْفَ أُصِيبَ بِمَالِهِ؟ وَسَأَلَهُ عَمَّنْ غَسَّلَهُ وَدَفَنَهُ؟ وَمَنْ تَوَلَّى الصَّلَاةَ عَلَيْهِ؟ وَأَيْنَ دُفِنَ؟ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْكَاتِبُ يَكْتُبُ، ثُمَّ كَبَّرَ عَلِيٌّ فَكَبَّرَ الْحَاضِرُونَ، وَالْمُتَّهَمُونَ لَا عِلْمَ لَهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ صَاحِبَهُمْ قَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ دَعَا آخَرَ بَعْدَ أَنْ غَيَّبَ الْأَوَّلَ عَنْ مَجْلِسِهِ، فَسَأَلَهُ كَمَا سَأَلَ صَاحِبَهُ، ثُمَّ الْآخَرَ كَذَلِكَ، حَتَّى عَرَفَ مَا عِنْدَ الْجَمِيعِ، فَوَجَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ بِضِدِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَاحِبُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِرَدِّ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْت غَدْرَك وَكَذِبَك بِمَا سَمِعْت مِنْ أَصْحَابِك، وَمَا يُنْجِيك مِنْ الْعُقُوبَةِ إلَّا الصِّدْقُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ إلَى السِّجْنِ، وَكَبَّرَ، وَكَبَّرَ مَعَهُ الْحَاضِرُونَ، فَلَمَّا أَبْصَرَ الْقَوْمُ الْحَالَ لَمْ يَشُكُّوا أَنَّ صَاحِبَهُمْ أَقَرَّ عَلَيْهِمْ، فَدَعَا آخَرَ مِنْهُمْ، فَهَدَّدَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ كَارِهًا لِمَا صَنَعُوا، ثُمَّ دَعَا الْجَمِيعَ فَأَقَرُّوا بِالْقِصَّةِ، وَاسْتُدْعِيَ الَّذِي فِي السِّجْنِ، وَقِيلَ لَهُ: قَدْ أَقَرَّ أَصْحَابُك وَلَا يُنْجِيك سِوَى الصِّدْقِ، فَأَقَرَّ بِمِثْلِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْقَوْمُ، فَأَغْرَمَهُمْ الْمَالَ، وَأَقَادَ مِنْهُمْ بِالْقَتِيلِ.
وَرُفِعَ إلَى بَعْضِ الْقُضَاةِ رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا عَلَى هَامَتِهِ، فَادَّعَى الْمَضْرُوبُ: أَنَّهُ أَزَالَ بَصَرَهُ وَشَمَّهُ، فَقَالَ: يُمْتَحَنُ، بِأَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ إلَى قُرْصِ الشَّمْسِ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ تَثْبُتْ عَيْنَاهُ لَهَا، وَيَنْحَدِرُ مِنْهُمَا الدَّمْعُ. وَتُحْرَقُ خِرْقَةٌ وَتُقَدَّمُ إلَى أَنْفِهِ. فَإِنْ كَانَ صَحِيحَ الشَّمِّ: بَلَغَتْ الرَّائِحَةُ خَيْشُومَهُ وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ.
وَرَأَيْت فِي " أَقْضِيَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " نَظِيرَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، وَأَنَّ الْمَضْرُوبَ ادَّعَى أَنَّهُ أَخْرَسُ. وَأَمَرَ أَنْ يُخْرِجَ لِسَانَهُ وَيُنْخَسَ بِإِبْرَةٍ، فَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ أَحْمَرَ فَهُوَ صَحِيحُ اللِّسَانِ، وَإِنْ خَرَجَ أَسْوَدَ فَهُوَ أَخْرَسُ.
وَقَالَ أَصْبَغُ بْنُ نَبَاتَةَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي فِدَاءِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: نَادُوا مِنْهُمْ مَنْ كَانَتْ جِرَاحَاتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، دُونَ مَنْ كَانَتْ مِنْ وَرَائِهِ. فَإِنَّهُ فَارٌّ.
قَالَ: وَأَوْصَى رَجُلٌ إلَى آخَرَ: أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفِ دِينَارٍ بِمَا أَحَبَّ، فَتَصَدَّقَ بِعُشْرِهَا، وَأَمْسَكَ الْبَاقِيَ؛ فَخَاصَمُوهُ إلَى عَلِيٍّ. وَقَالُوا: يَأْخُذُ النِّصْفَ وَيُعْطِينَا النِّصْفَ. فَقَالَ: أَنْصَفُوك؛ قَالَ: إنَّهُ قَالَ لِي: أَخْرِجْ بِهَا مَا أَحْبَبْت؛ قَالَ: فَأَخْرِجْ عَنْ الرَّجُلِ تِسْعَمِائَةٍ، وَالْبَاقِي لَك؛ قَالَ:

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 45
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست