responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 38
وَمِنْ ذَلِكَ: فِرَاسَةُ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ قَالَ - «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَصْحَابِهِ إذْ وَجَدَ رِيحًا. فَقَالَ: لِيَقُمْ صَاحِبُ هَذِهِ الرِّيحِ فَلْيَتَوَضَّأْ. فَاسْتَحْيَا الرَّجُلُ، ثُمَّ قَالَ: لِيَقُمْ صَاحِبُ هَذِهِ الرِّيحِ فَلْيَتَوَضَّأْ. فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ.
فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَلَا نَقُومُ كُلُّنَا نَتَوَضَّأُ؟» . هَكَذَا رَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ مُرْسَلًا، وَوَصَلَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ، فَقَالَ: عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
وَقَدْ جَرَتْ مِثْلُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فِي مَجْلِسِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ الشَّعْبِيُّ: " كَانَ عُمَرُ فِي بَيْتٍ، وَمَعَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ. فَوَجَدَ عُمَرُ رِيحًا. فَقَالَ: عَزَمْت عَلَى صَاحِبِ هَذِهِ الرِّيحِ لَمَا قَامَ فَتَوَضَّأَ. فَقَالَ جَرِيرٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ يَتَوَضَّأُ الْقَوْمُ جَمِيعًا. فَقَالَ عُمَرُ: يَرْحَمُك اللَّهُ. نِعْمَ السَّيِّدُ كُنْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَنِعْمَ السَّيِّدُ وَأَنْتَ فِي الْإِسْلَامِ ".

وَمِنْ أَحْسَنِ الْفِرَاسَةِ: فِرَاسَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ لَمَّا بَعَثَ الشَّعْبِيَّ إلَى مَلِكِ الرُّومِ فَحَسَدَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ فَبَعَثَ مَعَهُ وَرَقَةً لَطِيفَةً إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ. فَلَمَّا قَرَأَهَا قَالَ: أَتَدْرِي مَا فِيهَا؟ قَالَ: فِيهَا " عَجَبٌ، كَيْفَ مَلَكَتْ الْعَرَبُ غَيْرَ هَذَا؟ " أَفَتَدْرِي مَا أَرَادَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: حَسَدَنِي عَلَيْك. فَأَرَادَ أَنِّي أَقْتُلُك، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ رَآك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا اسْتَكْبَرَنِي. فَبَلَغَ ذَلِكَ مَلِكَ الرُّومِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَخْطَأَ مَا كَانَ فِي نَفْسِي.
وَمِنْ دَقِيقِ الْفِطْنَةِ: أَنَّك لَا تَرُدُّ عَلَى الْمُطَاعِ خَطَأَهُ بَيْنَ الْمَلَأِ، فَتَحْمِلُهُ رُتْبَتُهُ عَلَى نُصْرَةِ الْخَطَإِ. وَذَلِكَ خَطَأٌ ثَانٍ، وَلَكِنْ تَلَطَّفْ فِي إعْلَامِهِ بِهِ، حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِ غَيْرُهُ. وَمِنْ دَقِيقِ الْفِرَاسَةِ: أَنَّ الْمَنْصُورَ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ فِي تِجَارَةٍ فَكَسَبَ مَالًا، فَدَفَعَهُ إلَى امْرَأَتِهِ، ثُمَّ طَلَبَهُ مِنْهَا. فَذَكَرَتْ أَنَّهُ سُرِقَ مِنْ الْبَيْتِ وَلَمْ يَرَ نَقْبًا وَلَا أَمَارَةً، فَقَالَ الْمَنْصُورُ: مُنْذُ كَمْ تَزَوَّجْتهَا؟ قَالَ: مُنْذُ سَنَةٍ، قَالَ: بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا؟ قَالَ: ثَيِّبًا، قَالَ: فَلَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِك؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَدَعَا لَهُ الْمَنْصُورُ بِقَارُورَةِ طِيبٍ كَانَ يُتَّخَذُ لَهُ حَادِّ الرَّائِحَةِ، غَرِيبِ النَّوْعِ، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: تَطَيَّبْ مِنْ هَذَا الطِّيبِ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ غَمَّك. فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ الْمَنْصُورُ لِأَرْبَعَةٍ مِنْ ثِقَاتِهِ: لِيَقْعُدْ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَدِينَةِ وَاحِدٌ مِنْكُمْ فَمَنْ شَمَّ مِنْكُمْ رَائِحَةَ هَذَا الطِّيبِ مِنْ أَحَدٍ فَلْيَأْتِ بِهِ. وَخَرَجَ الرَّجُلُ بِالطِّيبِ فَدَفَعَهُ إلَى امْرَأَتِهِ، فَلَمَّا شَمَّتْهُ بَعَثَتْ بِهِ إلَى رَجُلٍ كَانَتْ تُحِبُّهُ، وَقَدْ كَانَتْ دَفَعَتْ إلَيْهِ الْمَالَ، فَتَطَيَّبَ مِنْهُ، وَمَرَّ مُجْتَازًا بِبَعْضِ أَبْوَابِ الْمَدِينَةِ، فَشَمَّ الْمُوَكَّلُ بِالْبَابِ رَائِحَتَهُ عَلَيْهِ؛ فَأَتَى بِهِ الْمَنْصُورَ، فَسَأَلَهُ: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا الطِّيبُ؟ فَلَجْلَجَ فِي كَلَامِهِ. فَدَفَعَهُ إلَى وَالِي الشُّرْطَةِ،

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 38
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست