responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 228
وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ: أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ مِنْ الْعُقُوبَاتِ فِي الْأَمْوَالِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. وَمِنْ ذَلِكَ: مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ: «إنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ، عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا» (30) .
وَرُوِيَ عَنْهُ فِي حَرِيسَةِ النَّخْلِ: «أَنَّ فِيهَا غَرَامَةَ مِثْلِهَا وَجَلَدَاتِ نَكَالٍ» وَمَا رُوِيَ عَنْهُ: «أَنَّ مَنْ وُجِدَ يَصِيدُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ شَيْئًا، فَلِمَنْ وَجَدَهُ سَلَبُهُ» .
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ: نُسِخَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَعَادَتْ الْعُقُوبَاتُ فِي الْأَبْدَانِ، فَكَانَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ مِنْ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ مَعَ مَنْ ادَّعَى النَّسْخَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ.
وَالْعَجَبُ: أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ نَصَّ مَالِكٍ وَفِعْلَ عُمَرَ، ثُمَّ جَعَلَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى، وَنَسَخَ النُّصُوصَ بِلَا نَاسِخٍ، فَقَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالصَّحَابَةِ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ: أَوْلَى بِالصَّوَابِ بَلْ هُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ اُشْتُهِرَ عَنْهُمْ فِي قَضَايَا مُتَعَدِّدَةٍ جِدًّا وَلَمْ يُنْكِرْهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ، وَعُمَرُ يَفْعَلُهُ بِحَضْرَتِهِمْ، وَهُمْ يُقِرُّونَهُ، وَيُسَاعِدُونَهُ عَلَيْهِ، وَيُصَوِّبُونَهُ فِي فِعْلِهِ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ كُلَّمَا اسْتَبْعَدُوا شَيْئًا، قَالُوا: مَنْسُوخٌ، وَمَتْرُوكٌ الْعَمَلُ بِهِ.
وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْمَلَاحِفِ الرَّدِيئَةِ النَّسْجِ بِالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ، وَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ فِيهَا بِتَقْطِيعِهَا خِرَقًا، وَإِعْطَائِهَا لِلْمَسَاكِينِ، إذَا تَقَدَّمَ لِمُسْتَعْمِلِهَا فَلَمْ يَنْتَهِ، ثُمَّ أَنْكَرَ ابْنُ الْقَطَّانِ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا يَحِلُّ هَذَا فِي مَالِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، يُؤَدَّبُ فَاعِلُ ذَلِكَ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ السُّوقِ.
وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الْأَصْبَغِ عَلِيُّ بْنُ الْقَطَّانِ، وَقَالَ: هَذَا اضْطِرَابٌ فِي جَوَابِهِ، وَتَنَاقُضٌ فِي قَوْلِهِ، لِأَنَّ جَوَابَهُ فِي الْمَلَاحِفِ بِإِحْرَاقِهَا بِالنَّارِ: أَشَدُّ مِنْ إعْطَائِهَا لِلْمَسَاكِينِ.
قَالَ: وَابْنُ عَتَّابٍ أَضْبَطُ لِأَصْلِهِ فِي ذَلِكَ وَأَتْبَعُ لِقَوْلِهِ.
وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُزَيْنٍ " قَالَ عِيسَى: قَالَ مَالِكٌ - فِي الرَّجُلِ يَجْعَلُ فِي مِكْيَالِهِ زِفْتًا - إنَّهُ يُقَامُ مِنْ السُّوقِ، فَإِنَّهُ أَشَقُّ عَلَيْهِ، يُرِيدُ، مِنْ أَدَبِهِ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ.

[فَصَلِّ فِي وَاجِبَاتُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ]
114 - (فَصْلٌ)
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: وَاجِبَاتُ الشَّرِيعَةِ - الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى - ثَلَاثَةُ

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 228
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست