responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 21
الْأَمَارَاتِ الظَّاهِرَةِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِاسْتِصْحَابِ الْأَصْلِ وَبَقَاءِ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ.
فَكَيْفَ يُقَدَّمُ هَذَا الظَّنُّ الضَّعِيفُ عَلَى ذَلِكَ الْعِلْمِ الَّذِي يَكَادُ يَبْلُغُ الْقَطْعَ؟ فَإِنَّ هَذِهِ الزَّوْجَةَ لَمْ يَكُنْ يَنْزِلُ عَلَيْهَا رِزْقُهَا مِنْ السَّمَاءِ، كَمَا كَانَ يَنْزِلُ عَلَى مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَلَمْ تَكُنْ تُشَاهَدْ تَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهَا تَأْتِي بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ، وَالزَّوْجُ يُشَاهَدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ دَاخِلًا عَلَيْهَا بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: " الْقَوْلُ قَوْلُهَا " وَيُقَدَّمُ ظَنُّ الِاسْتِصْحَابِ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ صَاحِبَ الْمَنْزِلِ إذَا قَدَّمَ الطَّعَامَ إلَى الضَّيْفِ وَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، جَازَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْأَكْلِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لَفْظًا، اعْتِبَارًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ الْجَارِيَةِ مَجْرَى الْقَطْعِ وَمِنْ ذَلِكَ: «إذْنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَارِّ بِثَمَرِ الْغَيْرِ. أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهِ وَلَا يَحْمِلَ» اكْتِفَاءً بِشَاهِدِ الْحَالِ، حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ حَائِطًا وَلَا نَاطُورًا.
وَمِنْ ذَلِكَ: جَوَازُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الْأَقْرِحَةِ وَالْمَزَارِعِ الَّتِي عَلَى الطُّرُقَاتِ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ مِنْهَا الْمَارَّةُ. وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ غَصْبًا لَهَا وَلَا تَصَرُّفًا مَمْنُوعًا.
وَمِنْ ذَلِكَ: الشُّرْبُ مِنْ الْمَصَانِعِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الطَّرَقَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشَّارِبُ إذْنَ أَرْبَابِهَا فِي ذَلِكَ لَفْظًا اعْتِمَادًا عَلَى دَلَالَةِ الْحَالِ، وَلَكِنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْهَا، لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِيه، وَدَلَالَةَ الْحَالِ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ شَاهِدُ حَالٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ حِينَئِذٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ: الْقَضَاءُ بِالْأُجْرَةِ لِلْغَسَّالِ وَالْخَبَّازِ وَالطَّبَّاخِ وَالدَّقَّاقِ وَصَاحِبِ الْحَمَّامِ وَالْقَيِّمِ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ عُقْدَةَ إجَارَةٍ، اكْتِفَاءً بِشَاهِدِ الْحَالِ وَدَلَالَتِهِ.
وَلَوْ اسْتَوْفَى هَذِهِ الْمَنَافِعَ وَلَمْ يُعْطِهِمْ الْأُجْرَةَ لَعُدَّ ظَالِمًا غَاصِبًا، مُرْتَكِبًا لِمَا هُوَ مِنْ الْقَبَائِحِ الْمُنْكَرَةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: انْعِقَادُ التَّبَايُعِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ بِمُجَرَّدِ الْمُعَاطَاةِ، مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، اكْتِفَاءً بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَاضِي، الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: جَوَازُ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ عَلَى الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ: أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا مَحْضًا، وَهُوَ لَمْ يَقُلْ: " قَتَلْته عَمْدًا " وَالْعَمْدِيَّةُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْقَلْبِ، فَجَازَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا، وَيُرَاقُ دَمُ الْقَاتِلِ بِشَهَادَتِهِ، اكْتِفَاءً بِالْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ، فَدَلَالَةُ الْقَرِينَةِ عَلَى التَّرَاضِي بِالْبَيْعِ.
مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ أَقْوَى. وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ قَالُوا: يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِيمَا يُنْفِقُهُ عَلَى الْيَتِيمِ إذَا ادَّعَى مَا يَقْتَضِيه الْعُرْفُ، فَإِذَا

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 21
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست