responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 209
وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا سَوْطُهُ، وَلَا يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ إذَا وَجَدَ لَهَا مَوْضِعًا يَضَعُهَا فِيهِ.
105 - (فَصْلٌ)
وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَوْفِي الْحِسَابَ عَلَى عُمَّالِهِ، يُحَاسِبُهُمْ عَلَى الْمُسْتَخْرَجِ وَالْمَصْرُوفِ، كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ، عَلَى الصَّدَقَاتِ فَلَمَّا رَجَعَ حَاسَبَهُ، فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا بَالُ الرَّجُلِ نَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانَا اللَّهُ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ؟ أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَنَظَرَ: أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا نَسْتَعْمِلُ رَجُلًا عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانَا اللَّهُ فَيَغُلُّ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت؟ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا» ".
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ مَتَى لَمْ يَقُمْ بِهَا إلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ صَارَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ النَّاسُ مُحْتَاجِينَ إلَى فِلَاحَةِ قَوْمٍ، أَوْ نِسَاجَتِهِمْ، أَوْ بِنَائِهِمْ، صَارَتْ هَذِهِ الْأَعْمَالُ مُسْتَحَقَّةً عَلَيْهِمْ، يَجْبُرُهُمْ وَلِيُّ الْأَمْرِ عَلَيْهَا بِعِوَضِ الْمِثْلِ، وَلَا يُمَكِّنُهُمْ مِنْ مُطَالَبَةِ النَّاسِ بِزِيَادَةٍ عَنْ عِوَضِ الْمِثْلِ، وَلَا يُمَكِّنُ النَّاسَ مِنْ ظُلْمِهِمْ، بِأَنْ يُعْطُوهُمْ دُونَ حَقِّهِمْ، كَمَا إذَا احْتَاجَ الْجُنْدُ الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ إلَى فِلَاحَةِ أَرْضِهِمْ وَأَلْزَمَ مَنْ صِنَاعَتُهُ الْفِلَاحَةُ أَنْ يَقُومَ بِهَا: أَلْزَمَ الْجُنْدَ بِأَلَّا يَظْلِمُوا الْفَلَّاحَ، كَمَا يُلْزِمُ الْفَلَّاحَ بِأَنْ يُفْلِحَ.
وَلَوْ اعْتَمَدَ الْجُنْدُ وَالْأُمَرَاءُ مَعَ الْفَلَّاحِينَ: مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَجَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَفَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، وَلَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَكَانَ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ الْمُغَلِّ أَضْعَافَ مَا يُحَصِّلُونَهُ بِالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَلَكِنْ يَأْبَى جَهْلُهُمْ وَظُلْمُهُمْ إلَّا أَنْ يَرْتَكِبُوا الظُّلْمَ وَالْإِثْمَ، فَيُمْنَعُوا الْبَرَكَةَ وَسَعَةَ الرِّزْقِ، فَيَجْتَمِعُ لَهُمْ عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ، وَنَزْعُ الْبَرَكَةِ فِي الدُّنْيَا.
فَإِنْ قِيلَ: وَمَا الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ، حَتَّى يَفْعَلَهُ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ؟

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 209
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست