responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 193
وَكَذَلِكَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ كَانَ غَايَةً فِي الْقِيَافَةِ وَهُوَ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَشُرَيْحُ بْنُ الْحَارِثِ الْقَاضِي كَانَ قَائِفًا، وَهُوَ مِنْ كِنْدَةَ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْحِجَازِ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَخُصَّهُ بِبَنِي مُدْلِجٍ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ أَهْلَ الْقِيَافَةِ كَأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَأَهْلِ الْخَرْصِ وَالْقَاسِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ اعْتِمَادُهُمْ عَلَى الْأُمُورِ الْمُشَاهَدَةِ الْمَرْئِيَّةِ لَهُمْ، وَلَهُمْ فِيهَا عَلَامَاتٌ يَخْتَصُّونَ بِمَعْرِفَتِهَا: مِنْ التَّمَاثُلِ وَالِاخْتِلَافِ وَالْقَدْرِ وَالْمِسَاحَةِ وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ: النَّاسُ يَجْتَمِعُونَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَيَرَاهُ مِنْ بَيْنَهُمْ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ، فَيَحْكُمُ بِقَوْلِهِ أَوْ قَوْلِهِمَا دُونَ بَقِيَّةِ الْجَمْعِ.
قَوْلُهُمْ: " إنَّا نُدْرِكُ التَّشَابُهَ بَيْنَ الْأَجَانِبِ، وَالِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْمُشْتَرِكِينَ فِي النَّسَبِ ". قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ الْأَكْثَرَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ الْعَادَةَ، وَجَوَازُ التَّخَلُّفِ عَنْ الدَّلِيلِ وَالْعَلَامَةِ الظَّاهِرَةِ فِي النَّادِرِ: لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عِنْدَ عَدَمِ مُعَارَضَةِ مَا يُقَاوِمُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْفِرَاشَ دَلِيلٌ عَلَى النَّسَبِ وَالْوِلَادَةِ، وَأَنَّهُ ابْنُهُ؟ وَيَجُوزُ - بَلْ يَقَعُ كَثِيرًا - تَخَلُّفُ دَلَالَتِهِ، وَتَخْلِيقُ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ مَاءِ صَاحِبِ الْفِرَاشِ، وَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ كَوْنُ الْفِرَاشِ دَلِيلًا، وَكَذَلِكَ أَمَارَاتُ الْخَرْصِ وَالْقِسْمَةِ وَالتَّقْوِيمِ وَغَيْرِهَا: قَدْ تَتَخَلَّفُ عَنْهَا أَحْكَامُهَا وَمَدْلُولَاتُهَا، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ اعْتِبَارَهَا، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْأَقْرَاءُ وَالْقُرْءُ الْوَاحِدُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَإِنَّهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ مَعَ جَوَازِ تَخَلُّفِ دَلَالَتِهِ، وَوُقُوعُ ذَلِكَ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.
قَوْلُهُمْ: " إنَّ الِاسْتِلْحَاقَ مُوجِبٌ لِلُحُوقِ النَّسَبِ، وَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ، فَيَشْتَرِكَانِ فِي مُوجَبِهِ ". قُلْنَا: هَذَا صَحِيحٌ إذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ أَحَدُهُمَا بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ الدَّعْوَى، فَأَمَّا إذَا تَمَيَّزَ بِأَمْرٍ آخَرَ، كَالْفِرَاشِ وَالشَّبَهِ: كَانَ اللَّحَاقُ بِهِ، كَمَا لَوْ تَمَيَّزَ بِالْبَيِّنَةِ، بَلْ الشَّبَهُ نَفْسُهُ بَيِّنَةٌ مِنْ أَقْوَى الْبَيِّنَاتِ، فَإِنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ، وَظُهُورُ الْحَقِّ هَاهُنَا بِالشَّبَهِ: أَقْوَى مِنْ ظُهُورِهِ بِشَهَادَةِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْوَهْمُ وَالْغَلَطُ وَالْكَذِبُ، وَأَقْوَى بِكَثِيرٍ مِنْ الْفِرَاشِ يَقْطَعُ بِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ فِيهِ. قَوْلُهُمْ: " الْقَائِفُ إمَّا شَاهِدٌ وَإِمَّا حَاكِمٌ. .. إلَخْ ".
قُلْنَا: هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِمَنْ يَقُولُ بِالْقَافَةِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، وَوَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْقَائِفَ: هَلْ هُوَ حَاكِمٌ أَوْ شَاهِدٌ؟ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ آخَرِينَ: لَيْسَا مَبْنِيِّينَ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْقَائِفُ حَاكِمٌ أَوْ شَاهِدٌ، كَمَا نَعْتَبِرُ حَاكِمَيْنِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ. وَكَذَلِكَ إذَا قَبِلْنَا قَوْلَهُ وَحْدَهُ: جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ شَاهِدًا، كَمَا نَقْبَلُ قَوْلَ الْقَاسِمِ وَالْخَارِصِ وَالْمُقَوِّمِ وَالطَّبِيبِ وَنَحْوِهِمْ وَحْدَهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِي الْخِلَافَ عَلَى كَوْنِهِ شَاهِدًا أَوْ مُخْبِرًا، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مُخْبِرًا اُكْتُفِيَ بِخَبَرِهِ وَحْدَهُ، كَالْخَبَرِ عَنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ شَاهِدًا لَمْ نَكْتَفِ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 193
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست