responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 190
وَبِالْجُمْلَةِ فَيَكْفِي أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي الْحَدِيثِ شُعْبَةُ، وَإِذَا كَانَ شُعْبَةُ فِي حَدِيثٍ لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا، وَكَانَ مَحْفُوظًا
وَقَدْ عَمِلَ بِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ - بَلْ صَرِيحٌ - فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقَافَةِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا إلَى الْقُرْعَةِ. قَالُوا: وَأَصَحُّ مَا مَعَكُمْ: حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ هُنَاكَ ثَابِتٌ بِالْفِرَاشِ، فَوَافَقَهُ قَوْلُ الْقَائِفِ فَسُرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُوَافَقَةِ قَوْلِ الْقَائِفِ لِشَرْعِهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَهَذَا الْإِخْفَاءُ بِهِ، فَمِنْ أَيْنَ يَصْلُحُ ذَلِكَ لِإِثْبَاتِ كَوْنِ الْقَافَةِ طَرِيقًا مُسْتَقِلًّا بِإِثْبَاتِ النَّسَبِ؟ .
قَالَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ: نَحْنُ إنَّمَا نَحْتَاجُ إلَى الْقَافَةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْوَلَدِ، نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، كَمَا إذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ أَوْ امْرَأَتَانِ، أَوْ اعْتَرَفَ الرَّجُلَانِ بِأَنَّهُمَا وَطِئَا الْمَرْأَةَ بِشُبْهَةٍ، وَأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَحِينَئِذٍ: فَإِمَّا أَنْ نُرَجِّحَ أَحَدَهُمَا بِلَا مُرَجِّحٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ نُلْغِيَ دَعْوَاهُمَا فَلَا يَلْحَقُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا، فَإِنَّهُمَا مُعْتَرِفَانِ بِسَبَبِ اللُّحُوقِ، وَلَيْسَ هُنَا سَبَبٌ غَيْرُهُمَا وَإِمَّا أَنْ يُلْحَقَ بِهِمَا مَعَ ظُهُورِ الشَّبَهِ الْبَيِّنِ بِأَحَدِهِمَا.
وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ شَرْعًا وَعُرْفًا وَقِيَاسًا كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِمَّا أَنْ يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا بِوَصْفِهِ لِعَلَامَاتٍ فِي الْوَلَدِ. كَمَا يُقَدَّمُ وَاصِفُ اللُّقَطَةِ.
وَهَذَا - أَيْضًا - لَا اعْتِبَارَ بِهِ هَاهُنَا. بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ. فَإِنَّ اطِّلَاعَ غَيْرِ الْأَبِ عَلَى بَدَنِ الطِّفْلِ وَعَلَامَاتِهِ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ بَلْ هُوَ وَاقِعٌ كَثِيرًا، فَإِنَّ الطِّفْلَ بَارِزٌ ظَاهِرٌ لِوَالِدَيْهِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا اطِّلَاعُ غَيْرِ مَالِكَ اللُّقَطَةِ عَلَى عَدَدِهَا وَعِفَاصِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا: فَأَمْرٌ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ، فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِإِخْفَائِهَا وَكِتْمَانِهَا، فَإِلْحَاقُ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ بِالْأُخْرَى مُمْتَنِعٌ. وَأَمَّا الْإِلْحَاقُ بِأُمَّيْنِ فَمَقْطُوعٌ بِبُطْلَانِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ، عَقْلًا وَحِسًّا، فَهُوَ كَإِلْحَاقِ ابْن سِتِّينَ سَنَةً بِابْنِ عِشْرِينَ. وَكَيْفَ يُنْكِرُ الْقَافَةَ الَّتِي مَدَارُهَا عَلَى الشَّبَهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ مَنْ يُلْحِقُ الْوَلَدَ بِأُمَّيْنِ؟ فَأَيْنَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، فِي الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَالْعُرْفِ وَالْقِيَاسِ؟ .
وَمَا أَثْبَتَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَطُّ حُكْمًا مِنْ الْأَحْكَامِ يَقْطَعُ بِبُطْلَانِ سَبَبِهِ حِسًّا أَوْ عَقْلًا، فَحَاشَا أَحْكَامَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا أَحْسَنُ حُكْمًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا أَعْدَلُ، وَلَا يَحْكُمُ حُكْمًا يَقُولُ الْعَقْلُ: لَيْتَهُ حَكَمَ بِخِلَافِهِ، بَلْ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا مِمَّا يَشْهَدُ الْعَقْلُ وَالْفِطْرَةُ بِحُسْنِهَا، وَوُقُوعُهَا عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ وَأَحْسَنِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا سِوَاهَا.
وَأَنْتَ إذَا عَرَضْتُ عَلَى الْعُقُولِ كَوْنَ الْوَلَدِ مِنْ أُمَّيْنِ لَمْ تَجِدْ قَبُولَهَا لَهُ كَقَبُولِهَا لِكَوْنِ الْوَلَدِ لِمَنْ

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 190
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست