responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 19
قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ مَنْعُهُ بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَإِنَّمَا كَانَ رَأْيًا مِنْهُ رَآهُ لِلْأَمَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ بِعْنَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمُدَّةِ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ، وَلِهَذَا عَزَمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى بَيْعِهِنَّ، وَقَالَ: " إنَّ عَدَمَ الْبَيْعِ كَانَ رَأْيًا اتَّفَقَ عَلَيْهِ هُوَ وَعُمَرُ "، فَقَالَ لَهُ قَاضِيه عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، رَأْيُك وَرَأْيُ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك وَحْدَك "، فَقَالَ: " اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ الْخِلَافَ " فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ نَصٌّ مِنْ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيمِ بَيْعِهِنَّ لَمْ يُضِفْ ذَلِكَ إلَى رَأْيِهِ وَرَأْيِ عُمَرَ، وَلَمْ يَقُلْ " إنِّي رَأَيْت أَنْ يُبَعْنَ ".

[فَصَلِّ فِي سِيَاسَة الصَّحَابَة فِي قِيَادَة الْأَمَة مِنْ بَعْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
8 - (فَصْلٌ) وَمِنْ ذَلِكَ: اخْتِيَارُهُ لِلنَّاسِ الْإِفْرَادَ بِالْحَجِّ، لِيَعْتَمِرُوا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ. فَلَا يَزَالُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ مَقْصُودًا، فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، وَأَنَّهُ أَوْجَبَ الْإِفْرَادَ. وَتَنَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَكْثَرَ النَّاسِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَالَ: " يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاء. أَقُولُ لَكُمْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَتَقُولُونَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ " وَكَذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ كَانُوا إذَا احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِأَبِيهِ يَقُولُ: " إنَّ عُمَرَ لَمْ يُرِدْ مَا تَقُولُونَ " فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: " أَفَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا، أَمْ عُمَرُ؟ ".
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ سِيَاسَةٌ جُزْئِيَّةٌ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ، فَظَنَّهَا مَنْ ظَنَّهَا شَرَائِعَ عَامَّةً لَازِمَةً لِلْأُمَّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَلِكُلٍّ عُذْرٌ وَأَجْرٌ وَمَنْ اجْتَهَدَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَجْرَيْنِ، وَهَذِهِ السِّيَاسَةُ الَّتِي سَاسُوا بِهَا الْأُمَّةَ وَأَضْعَافُهَا هِيَ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
وَلَكِنْ: هَلْ هِيَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمِنَةِ، أَمْ مِنْ السِّيَاسَاتِ الْجُزْئِيَّةِ التَّابِعَةِ لِلْمَصَالِحِ، فَتَتَقَيَّدُ بِهَا زَمَانًا وَمَكَانًا؟ وَمِنْ ذَلِكَ: جَمْعُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّاسَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أَطْلَقَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِرَاءَةَ بِهَا، لَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً. فَلَمَّا خَافَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْقُرْآنِ، وَرَأَوْا أَنَّ جَمْعَهُمْ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ أَسْلَمُ، وَأَبْعَدُ مِنْ وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ: فَعَلُوا ذَلِكَ، وَمَنَعُوا النَّاسَ مِنْ الْقِرَاءَةِ بِغَيْرِهِ. وَهَذَا كَمَا لَوْ كَانَ لِلنَّاسِ عِدَّةُ طُرُقٍ إلَى الْبَيْتِ، وَكَانَ سُلُوكُهُمْ فِي تِلْكَ الطُّرُقِ يُوقِعُهُمْ فِي التَّفَرُّقِ وَالتَّشَتُّتِ، وَيُطْمِعُ فِيهِمْ الْعَدُوَّ، فَرَأَى الْإِمَامُ جَمْعَهُمْ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدٍ، وَتَرْكَ بَقِيَّةِ الطُّرُقِ: جَازَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إبْطَالٌ لِكَوْنِ تِلْكَ الطُّرُقِ مُوصِلَةً إلَى الْمَقْصُودِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ سُلُوكِهَا لِمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ.

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 19
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست