responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 188
قِيلَ: إنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ الشَّبَهُ هَاهُنَا لِوُجُودِ الْفِرَاشِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مُطْلَقًا، بَلْ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّبَهِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَالَ عَلَى نَوْعٍ آخَرَ مِنْ الشَّبَهِ، وَهُوَ نَزْعُ الْعِرْقِ، وَهَذَا الشَّبَهُ أَوْلَى لِقُوَّتِهِ بِالْفِرَاشِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إذَا لَمْ يُنَازِعْ مُدَّعِي الْوَلَدِ غَيْرَهُ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ نَازَعَهُ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ فِرَاشٍ: قُدِّمَ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ الْفِرَاشِ، فَإِنْ ذَكَرَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً بِجَسَدِهِ وَوَصَفَهُ بِصِفَةٍ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَا رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَةً: أُلْحِقَ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَا امْرَأَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُلْحِقُ بِهِمَا حُكْمًا، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا مِنْ إحْدَاهُمَا، وَلَكِنْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا فِي الْحُكْمِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مَالًا، فَأُجْرِيَ الْإِنْسَانُ مَجْرَى الْأَمْوَالِ وَالْحُقُوقِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُلْحَقُ بِهِمَا، كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ، لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُولَدَ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الرَّجُلَيْنِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَخْلِيقُهُ مِنْ مَائِهِمَا، كَمَا يُخْلَقُ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ.
قَالُوا: وَقَدْ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَلَامَاتِ: قِصَّةُ شَاهِدِ يُوسُفَ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُلْتَقِطِ: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ» (19) .
قَالُوا: وَلَوْ أَثَّرَتْ الْقَافَةُ وَالشَّبَهُ فِي نِتَاجِ الْآدَمِيِّ لَأَثَّرَ ذَلِكَ فِي نِتَاجِ الْحَيَوَانِ، فَكُنَّا نَحْكُمُ بِالشَّبَهِ فِي ذَلِكَ، كَمَا نَحْكُمُ بِهِ بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ، وَلَا نَعْلَمُ بِذَلِكَ قَائِلًا.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الشَّبَهَ أَمْرٌ مَشْهُودٌ مُدْرَكٌ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ، فَإِمَّا أَنْ يَحْصُلَ لَنَا ذَلِكَ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ لَا يَحْصُلَ، فَإِنْ حَصَلَ لَمْ تَكُنْ فِي الْقَائِفِ فَائِدَةٌ، وَلَا حَاجَةٌ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَنَا بِالْمُشَاهَدَةِ لَمْ نُصَدِّقْ الْقَائِفَ، فَإِنَّهُ يَدَّعِي أَمْرًا حِسِّيًّا لَا يُدْرَكُ بِالْحِسِّ.
قَالُوا: وَقَدْ دَلَّ الْحِسُّ عَلَى وُقُوعِ التَّشَابُهِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمْ، وَوُقُوعِ التَّخَالُفِ وَالتَّبَايُنِ بَيْنَ ذَوِي النَّسَبِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ لَا يُمْكِنُ جَحْدُهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى النَّسَبِ، وَيَثْبُتُ بِهِ التَّوَارُثُ وَالْحُرْمَةُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ وَسَائِرُ أَحْكَامِ النَّسَبِ؟ .
قَالُوا: وَالِاسْتِلْحَاقُ مُوجِبٌ لِلُحُوقِ النَّسَبِ، وَقَدْ وُجِدَ فِي الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَتَسَاوَيَا فِيهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي حُكْمِهِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا، وَقَدْ اسْتَلْحَقَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالِاسْتِلْحَاقُ أَقْوَى مِنْ الشَّبَهِ، وَلِهَذَا: لَوْ اسْتَلْحَقَهُ مُسْتَلْحِقٌ وَوَجَدْنَا شَبَهًا بَيِّنًا بِغَيْرِهِ: أَلْحَقْنَاهُ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ، وَلَمْ نَلْتَفِتْ إلَى الشَّبَهِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الْقَائِفَ إمَّا شَاهِدٌ وَإِمَّا حَاكِمٌ، فَإِنْ كَانَ شَاهِدًا فَمُسْتَنَدُ شَهَادَتِهِ الرُّؤْيَةُ، وَهُوَ وَغَيْرُهُ فِيهَا سَوَاءٌ، فَجَرَى تَفَرُّدُهُ فِي الشَّهَادَةِ مَجْرَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ بِأَمْرٍ لَوْ وَقَعَ لَشَارَكُوهُ فِي الْعِلْمِ بِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقْبَلُ.

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 188
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست