responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 175
وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ كَالنَّصِّ فِي جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى خَطِّ الْمُوصِي، وَكُتُبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عُمَّالِهِ وَإِلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ، فَهِيَ كَاللَّفْظِ، وَلِهَذَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ.
قَالَ الْقَاضِي: وَثُبُوتُ الْخَطِّ فِي الْوَصِيَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحَاكِمِ لِفِعْلِ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّهَا عَمَلٌ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْعَمَلِ طَرِيقُهَا الرُّؤْيَةُ.
وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: " إنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ خَطَّهُ وَكَانَ مَشْهُورَ الْخَطِّ، يَنْفُذُ مَا فِيهَا " يَرُدُّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي، فَإِنَّ أَحْمَدَ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالْمَعْرِفَةِ وَالشُّهْرَةِ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِمُعَايَنَةِ الْفِعْلِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ الْقَصْدَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِنِسْبَةِ الْخَطِّ إلَى كَاتِبِهِ، فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَ كَانَ كَالْعِلْمِ بِنِسْبَةِ اللَّفْظِ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْخَطَّ دَالٌّ عَلَى اللَّفْظِ، وَاللَّفْظَ دَالٌّ عَلَى الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، وَغَايَةُ مَا يَقْدِرُ: اشْتِبَاهُ الْخُطُوطِ، وَذَلِكَ كَمَا يَعْرِضُ مِنْ اشْتِبَاهِ الصُّوَرِ وَالْأَصْوَاتِ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِخَطِّ كُلِّ كَاتِبٍ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ خَطِّ غَيْرِهِ كَتَمَيُّزِ صُورَتِهِ وَصَوْتِهِ عَنْ صُورَتِهِ وَصَوْتِهِ، وَالنَّاسُ يَشْهَدُونَ شَهَادَةً - لَا يَسْتَرِيبُونَ فِيهَا - أَنَّ هَذَا خَطُّ فُلَانٍ، وَإِنْ جَازَتْ مُحَاكَاتُهُ وَمُشَابَهَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ فَرْقٍ، وَهَذَا أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِالْخَطِّ الْعَرَبِيِّ، وَوُقُوعُ الِاشْتِبَاهِ وَالْمُحَاكَاةِ لَوْ كَانَ مَانِعًا لَمَنَعَ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ عِنْدَ مُعَايَنَتِهِ إذَا غَابَ عَنْهُ، لِجَوَازِ الْمُحَاكَاةِ
دَلَّتْ الْأَدِلَّةُ الْمُتَضَافِرَةُ - الَّتِي تَقْرَبُ مِنْ الْقَطْعِ - عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ إذَا عَرَفَ الصَّوْتَ، مَعَ أَنَّ تَشَابُهَ الْأَصْوَاتِ - إنْ لَمْ يَكُنْ أَعْظَمَ مِنْ تَشَابُهِ الْخُطُوطِ - فَلَيْسَ دُونَهُ.
وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ بِأَنَّ الْوَارِثَ إذَا وَجَدَ فِي دَفْتَرِ مُوَرِّثِهِ، أَنَّ لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا، جَازَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ، وَأَظُنُّهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ فِي دَفْتَرِهِ: أَنْ أَدَّيْتُ إلَى فُلَانٍ مَالَهُ عَلَيَّ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ إذَا وَثِقَ بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ وَأَمَانَتِهِ.
وَلَمْ يَزَلْ الْخُلَفَاءُ وَالْقُضَاةُ وَالْأُمَرَاءُ وَالْعُمَّالُ يَعْتَمِدُونَ عَلَى كُتُبِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ، وَلَا يُشْهِدُونَ حَامِلَهَا عَلَى مَا فِيهَا، وَلَا يَقْرَءُونَهَا عَلَيْهِ، هَذَا عَمَلُ النَّاسِ مِنْ زَمَنِ نَبِيِّهِمْ إلَى الْآنِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ": " بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ [الْمَخْتُومِ] ، وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُضَيَّقُ عَلَيْهِ، وَكِتَابُ الْحَاكِمِ إلَى عُمَّالِهِ، وَالْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كِتَابُ الْحَاكِمِ جَائِزٌ إلَّا فِي الْحُدُودِ، [ثُمَّ] قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، لِأَنَّ هَذَا مَالٌ يَزْعُمُهُ، وَإِنَّمَا صَارَ مَالًا بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ، فَالْخَطَأُ وَالْعَمْدُ وَاحِدٌ.
وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إلَى عَامِلِهِ فِي الْحُدُودِ، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي سِنٍّ كُسِرَتْ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي جَائِزٌ إذَا عَرَفَ الْكِتَابَ وَالْخَاتَمَ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يُجِيزُ الْكِتَابَ الْمَخْتُومَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْقَاضِي، وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الثَّقَفِيُّ: شَهِدْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ يَعْلَى - قَاضِيَ الْبَصْرَةِ - وَإِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، وَثُمَامَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، وَبِلَالَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ، وَعَامِرَ بْنَ عُبَيْدَةَ، وَعَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 175
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست