responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 161
قَالَ الشَّيْخُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ - مُحْتَجًّا بِهِ - وَهُوَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِأَبِي عُبَيْدٍ - أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَرَجَ، فَمَرَّ بِقَرْيَةٍ فَمَرِضَ، وَمَعَهُ رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَدَفَعَ إلَيْهِمَا مَالَهُ، ثُمَّ قَالَ: اُدْعُوَا لِي مَنْ أُشْهِدُهُ عَلَى مَا قَبَضْتُمَاهُ، فَلَمْ يَجِدَا أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ، فَدَعَوْا أُنَاسًا مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَشْهَدَهُمْ عَلَى مَا دَفَعَ إلَيْهِمَا - وَذَكَرَ الْقِصَّةَ - فَانْطَلَقُوا إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَأَمَرَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ أَنْ يَحْلِفَا بِاَللَّهِ: لَقَدْ تَرَكَ مِنْ الْمَالِ كَذَا وَكَذَا وَلَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَةِ هَذَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ أَهْلَ الْمُتَوَفَّى أَنْ يَحْلِفُوا أَنَّ شَهَادَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَقٌّ، فَحَلَفُوا، فَأَمَرَهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا شَهِدَ بِهِ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ، وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
فَهَذِهِ شَهَادَةٌ لِلْمَيِّتِ عَلَى وَصِيَّتِهِ، وَقَدْ قَضَى بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ، مَعَ يَمِينِ الْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُمْ الْمُدَّعُونَ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْمَيِّتِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى يَمِينِ الْوَرَثَةِ.
وَلَعَلَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَسْتَحِقُّونَ بِأَيْمَانِهِمْ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ إذَا اسْتَحَقَّا إثْمًا، فَكَذَلِكَ يَسْتَحِقُّونَ عَلَى الْوَصِيَّةِ مَعَ شَهَادَةِ الذِّمِّيَّيْنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي هَذَا فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْأَسِيرِ إسْلَامًا، فَقَالَ: وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي السَّبْيِ إذَا ادَّعُوا نَسَبًا، وَأَقَامُوا بَيِّنَةً مِنْ الْكُفَّارِ: قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَصَالِحٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، لِأَنَّهُ قَدْ تَتَعَذَّرُ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي طَالِبٍ.
قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فَعَلَى هَذَا كُلُّ مَوْضِعِ ضَرُورَةٍ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ فِيهِ: فِيهِ رِوَايَتَانِ، لَكِنَّ التَّحْلِيفَ هَاهُنَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ حَيْثُ تَكُونُ شَهَادَتُهُمْ بَدَلًا، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا أُصُولًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصَلِّ وَهَلْ تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْكَافِرِينَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ فِي دينهم]
82 - (فَصْلٌ)
قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَلْ تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْكَافِرِينَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ فِي دِينِهِمَا؟ عُمُومُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ، وَإِنْ كُنَّا إذَا قَبِلْنَا شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ اعْتَبَرْنَا عَدَالَتَهُمْ فِي دِينِهِمْ.
وَصَرَّحَ الْقَاضِي: بِأَنَّ الْعَدَالَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَصَرَّحَ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْحَالِ، وَجَعَلَهُ مَحَلَّ وِفَاقٍ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ. وَفِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ رِوَايَتَانِ، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ: هُمْ الْكُفَّارُ كُلُّهُمْ، وَلِأَنَّهُ

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 161
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست