responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 143
مَا يَحْرُمُ عَلَى الْأَحْرَارِ، أَمْ لَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ؟ لِكَوْنِهِمْ لَا يَقْدِرُونَ عِنْدَكُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلْبَتَّةَ، قَالَ: وَمَنْ نَسَبَ هَذَا إلَى اللَّهِ فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ جِهَارًا.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] فَنَهَى الشُّهَدَاءَ عَنْ التَّخَلُّفِ وَالْإِبَاءِ، وَمَنَافِعُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، فَلَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ وَيَأْبَى إلَّا خِدْمَتَهُ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى عَدَمِ قَبُولِهَا، إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي تَحَمُّلِهَا وَأَدَائِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَعْطِيلٌ لِخِدْمَةِ السَّيِّدِ.
فَأَبْعَدَ النُّجْعَةَ مَنْ فَهِمَ رَدَّ شَهَادَةِ الْعَبِيدِ الْعُدُولِ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا مُقْتَضَى الْآيَةِ كَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَيْضًا رَدَّ رِوَايَتِهِمْ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ} [المعارج: 33] .
وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِيَامِ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِ احْتِجَاجِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ وِلَايَةٌ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ.
فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: مَا تَعْنُونَ بِالْوِلَايَةِ؟ أَتُرِيدُونَ بِهَا الشَّهَادَةَ، وَكَوْنُهُ مَقْبُولَ الْقَوْلِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، أَمْ كَوْنُهُ حَاكِمًا عَلَيْهِ مُنَفِّذًا فِيهِ الْحُكْمَ؟ فَإِنْ أَرَدْتُمْ الْأَوَّلَ كَانَ التَّقْدِيرُ: إنَّ الشَّهَادَةَ شَهَادَةٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا حَاصِلُ دَلِيلِكُمْ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ الثَّانِيَ فَمَعْلُومُ الْبُطْلَانِ قَطْعًا، وَالشَّهَادَةُ لَا تَسْتَلْزِمُهُ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ، فَمَنَعَ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَالْفِسْقِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ صَحَّ لَمَنَعَ قَبُولَ رِوَايَتِهِ، وَفَتْوَاهُ، وَالصَّلَاةَ خَلْفَهُ وَحُصُولَ الْأَجْرَيْنِ لَهُ.
وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ يَسْتَغْرِقُ الزَّمَانَ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ، فَلَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَمْلِكُ فِيهِ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ، وَلَا يَمْلِكُ عَلَيْهِ.
وَهَذَا أَضْعَفُ مِمَّا قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِقَبُولِ رِوَايَتِهِ وَفَتْوَاهُ، وَيُنْتَقَضُ بِالْحُرَّةِ الْمُزَوَّجَةِ، وَيُنْتَقَضُ بِمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، وَيُنْتَقَضُ بِالْأَجِيرِ الَّذِي اُسْتُغْرِقَتْ سَاعَاتُ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَيَبْطُلُ بِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ السَّيِّدِ مِنْ خِدْمَتِهِ.
وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ، فَكَيْفَ تَشْهَدُ السِّلَعُ؟ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْغَثَاثَةِ وَالسَّمَاجَةِ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ هَذِهِ السِّلْعَةِ، كَمَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهَا وَفَتْوَاهَا، وَتَصِحُّ إمَامَتُهَا، وَتَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالطَّهَارَةُ.
وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ دَنِيءٌ، وَالشَّهَادَةُ مَنْصِبٌ عَلِيٌّ، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا.
وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ الطِّرَازِ، فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِدَنَاءَتِهِ مَا يَقْدَحُ فِي دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ، فَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيمَنْ هُوَ كَذَلِكَ، وَنَافِعٌ وَعِكْرِمَةُ أَجَلُّ وَأَشْرَفُ مِنْ أَكْثَرِ الْأَحْرَارِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ النَّاسِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِدَنَاءَتِهِ أَنَّهُ

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 143
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست