responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 116
وَامْرَأَتَيْنِ، فَإِذَا كَانَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ: حَكَمْنَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَلَيْسَ ذَا يُخَالِفُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْرُمْ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ. وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ اللَّهُ، وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَأْخُذَ مَا آتَانَا. قُلْتُ: وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابَ الْحُقُوقِ: أَنْ يَحْفَظُوا حُقُوقَهُمْ بِهَذَا النِّصَابِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ الْحُكَّامَ: أَنْ يَحْكُمُوا بِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَمَرَهُمْ أَلَّا يَقْضُوا إلَّا بِذَلِكَ. وَلِهَذَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِالنُّكُولِ وَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَالْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ، وَالنِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ، وَبِمَعَاقِدِ الْقِمْطِ، وَوُجُوهِ الْآجِرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طُرُقِ الْحُكْمِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ. فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ، فَهَذِهِ أَشَدُّ مُخَالَفَةً لِكِتَابِ اللَّهِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ، فَالْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ أَوْلَى أَلَّا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْقُرْآنِ. فَطُرُقُ الْحُكْمِ شَيْءٌ، وَطُرُقُ حِفْظِ الْحُقُوقِ شَيْءٌ آخَرُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ، فَتُحْفَظُ الْحُقُوقُ بِمَا لَا يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ مِمَّا يَعْلَمُ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّهُ يَحْفَظُ بِهِ حَقَّهُ، وَيْحُكُمْ الْحَاكِمُ بِمَا لَا يَحْفَظُ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ حَقَّهُ، وَلَا خَطَرَ عَلَى بَالِهِ: مِنْ نُكُولٍ، وَرَدِّ يَمِينٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْقَضَاءُ وَالْيُمْنُ، مِمَّا أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] ، وَقَدْ حَكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَهُوَ مِمَّا أَرَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ قَطْعًا.
وَمِنْ الْعَجَائِبِ: رَدُّ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَالْحُكْمُ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ الَّذِي هُوَ سُكُوتٌ، وَلَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ، وَالْحُكْمُ لِمُدَّعِي الْحَائِطِ إذَا كَانَتْ إلَيْهِ الدَّوَاخِلُ وَالْخَوَارِجُ وَهُوَ الصِّحَاحُ مِنْ الْآجِرِ، أَوْ إلَيْهِ مَعَاقِدِ الْقِمْطِ فِي الْخُصِّ، كَمَا يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ: فَأَيْنَ هَذَا مِنْ الشَّاهِدِ الْعَدْلِ الْمُبَرِّزِ فِي الْعَدَالَةِ، الَّذِي يَكَادُ يُحَصِّلُ الْعِلْمَ بِشَهَادَتِهِ، إذَا انْضَافَ إلَيْهَا يَمِينُ الْمُدَّعِي؟ وَأَيْنَ الْحُكْمُ بِلُحُوقِ النَّسَبِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَإِنْ عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَصِلْ إلَى الْمَرْأَةِ، مِنْ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ؟ وَأَيْنَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ مَجْهُولَيْنِ، لَا يُعْرَفُ حَالُهُمَا، مِنْ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ الْمُبْرِزِ الثِّقَةِ، مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ؟ وَأَيْنَ الْحُكْمُ لِمُدَّعِي الْحَائِطِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ، تَكُونُ ثَلَاثَةُ جُذُوعٍ فَصَاعِدًا عَلَيْهِ لَهُ مِنْ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ؟ وَمَعْلُومٌ: أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ وَالْبَيِّنَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ جُذُوعٍ عَلَى الْحَائِطِ الَّذِي ادَّعَاهُ، فَإِذَا أَقَامَ جَارُهُ شَاهِدًا، وَحَلَفَ مَعَهُ: كَانَ ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ الْجُذُوعِ؟ وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مَنْ خَالَفَ سُنَّةً صَحِيحَةً لَا مُعَارِضَ لَهَا، لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ قَوْلًا يَعْلَمُ أَنَّ الْقَوْلَ بِتِلْكَ السُّنَّةِ أَقْوَى مِنْهُ بِكَثِيرٍ.
وَقَدْ نُسِبَ إلَى الْبُخَارِيِّ إنْكَارُ الْحُكْمِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: فِي " بَابِ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ " مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ: كَلَّمَنِي أَبُو الزِّنَادِ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، فَقُلْتُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] .

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 116
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست