responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 105
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي " الْمُوَطَّإِ " - فِي بَابِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا، أَلَيْسَ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ، وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، حَلَفَ طَالِبُ الْحَقِّ: إنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ، وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ؟ فَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَلَا فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ. فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذَ هَذَا؟ أَمْ فِي أَيِّ كِتَابٍ وَجَدَهُ؟ فَإِذَا أَقَرَّ بِهَذَا فَلْيُقِرَّ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا لَفْظُهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: إنْ كَانَ خَفِيَ عَلَيْهِ قَضَاءُ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِالنُّكُولِ، فَإِنَّهُ لَعَجِيبٌ. ثُمَّ قَوْلُهُ: " أَذَا أَقَرَّ بِرَدِّ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ: فَلْيُقِرَّ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ " فَعَجَبٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] . قُلْتُ: لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عَجَبٍ.
أَمَّا حِكَايَتُهُ الْإِجْمَاعَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ بَلْ إذَا نَكَلَ، وَرَدَّ الْيَمِينَ، حَكَمَ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْأَمْصَارِ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَقْضِي بِالنُّكُولِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إذَا نَكَلَ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ حُكِمَ لَهُ. فَهَذَا الَّذِي أَرَادَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ إذَا رَدَّ الْيَمِينَ مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ اخْتِلَافٌ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ اخْتِلَافٌ شَاذٌّ.
وَأَمَّا تَعَجُّبُهُ مِنْ قَوْلِهِ " إنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ " فَتَعَجُّبُهُ هُوَ الْمُتَعَجَّبُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْمَانِعِينَ مِنْ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ يَقُولُونَ: لَيْسَ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ فِي كِتَابِ اللَّهِ خِلَافُهُ، وَهُوَ اعْتِبَارُ الشَّاهِدَيْنِ.
فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ بِالنُّكُولِ، وَيَقْضِي النَّاسُ كُلُّهُمْ بِالرَّدِّ مَعَ النُّكُولِ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَهَكَذَا الشَّاهِدُ مَعَ الْيَمِينِ يَجِبُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ؟ فَهَذَا إلْزَامٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَأَمَّا رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ، إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ فَمَا كَانَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. فَيُقَالُ: بَلْ أَرْشَدَ إلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ. أَمَّا الْكِتَابُ: فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ شَرَعَ الْأَيْمَانَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ، وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَشَهِدَتْ الْقَرَائِنُ بِصِدْقِهِ، كَمَا فِي اللِّعَانِ، وَشَرَعَ عَذَابَ الْمَرْأَةِ بِالْحَدِّ بِنُكُولِهَا، مَعَ يَمِينِهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَرْعُهُ فِي الْحُدُودِ الَّتِي تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَقَدْ أَمَرَنَا بِدَرْئِهَا مَا اسْتَطَعْنَا فَلَأَنْ يَشْرَعَ الْحُكْمُ

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 105
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست