responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطب النبوي المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 88
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِلَاجِ الْأَبْدَانِ بِمَا اعْتَادَتْهُ مِنَ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ دُونَ مَا لَمْ تَعْتَدْهُ
هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الْعِلَاجِ، وَأَنْفَعُ شَيْءٍ فِيهِ، وَإِذَا أَخْطَأَهُ الطَّبِيبُ، أَضَرَّ الْمَرِيضَ مِنْ حَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ، وَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إِلَى مَا يَجِدُهُ مِنَ الْأَدْوِيَةِ فِي كُتُبِ الطِّبِّ إِلَّا طَبِيبٌ جَاهِلٌ، فَإِنَّ مُلَاءَمَةَ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ لِلْأَبْدَانِ بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِهَا وَقَبُولِهَا، وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْبَوَادِي وَالْأَكَّارُونَ وَغَيْرُهُمْ لَا يَنْجَعُ فِيهِمْ شَرَابُ اللِّينُوفَرِ وَالْوَرْدِ الطَّرِيِّ وَلَا الْمَغْلِيِّ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي طِبَاعِهِمْ شَيْئًا، بَلْ عَامَّةُ أَدْوِيَةِ أَهْلِ الْحَضَرِ وأهل الرفاهية لا تجدي عليهم، وَالتَّجْرِبَةُ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ، وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعِلَاجِ النَّبَوِيِّ، رَآهُ كُلَّهُ مُوَافِقًا لِعَادَةِ الْعَلِيلِ وَأَرْضِهِ، وَمَا نَشَأَ عَلَيْهِ. فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الْعِلَاجِ يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَفَاضِلُ أَهْلِ الطِّبِّ حَتَّى قَالَ طَبِيبُ الْعَرَبِ بَلْ أَطَبُّهُمُ الحارث بن كلدة، وَكَانَ فِيهِمْ كأبقراط فِي قَوْمِهِ: الْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ، وَالْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ، وَعَوِّدُوا كُلَّ بَدَنٍ مَا اعْتَادَ. وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ: الْأَزْمُ دَوَاءٌ، وَالْأَزْمُ: الْإِمْسَاكُ عَنِ الْأَكْلِ يَعْنِي بِهِ الْجُوعَ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْأَدْوِيَةِ فِي شِفَاءِ الْأَمْرَاضِ الِامْتِلَائِيَّةِ كُلِّهَا بِحَيْثُ إِنَّهُ أَفْضَلُ فِي عِلَاجِهَا مِنَ الْمُسْتَفْرِغَاتِ إِذَا لَمْ يَخِفَّ مِنْ كَثْرَةِ الِامْتِلَاءِ، وَهَيَجَانِ الْأَخْلَاطِ، وَحِدَّتِهَا أَوْ غَلَيَانِهَا.
وَقَوْلُهُ: الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ. الْمَعِدَةُ: عُضْوٌ عَصَبِيٌّ مُجَوَّفٌ كَالْقَرْعَةِ فِي شَكْلِهَا، مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ، مُؤَلَّفَةٍ مِنْ شَظَايَا دَقِيقَةٍ عَصَبِيَّةٍ تُسَمَّى اللِّيفَ، وَيُحِيطُ بِهَا لَحْمٌ، وَلِيفٌ إِحْدَى الطَّبَقَاتِ بِالطُّولِ، وَالْأُخْرَى بِالْعَرْضِ، وَالثَّالِثَةُ بِالْوَرْبِ، وَفَمُ الْمَعِدَةِ أَكْثَرُ عَصَبًا، وَقَعْرُهَا أَكْثَرُ لَحْمًا، وَفِي بَاطِنِهَا خَمْلٌ، وَهِيَ مَحْصُورَةٌ فِي وَسَطِ الْبَطْنِ، وَأَمْيَلُ إِلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ قَلِيلًا، خُلِقَتْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لِحِكْمَةٍ لَطِيفَةٍ مِنَ الْخَالِقِ الْحَكِيمِ سُبْحَانَهُ، وَهِيَ بَيْتُ الدَّاءِ، وَكَانَتْ مَحَلًّا لِلْهَضْمِ الْأَوَّلِ، وَفِيهَا يَنْضَجُ الْغِذَاءُ وَيَنْحَدِرُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْكَبِدِ وَالْأَمْعَاءِ، وَيَتَخَلَّفُ مِنْهُ فِيهَا فَضَلَاتٌ قَدْ عَجَزَتِ الْقُوَّةُ الْهَاضِمَةُ عَنْ تَمَامِ هَضْمِهَا، إِمَّا لِكَثْرَةِ الْغِذَاءِ، أَوْ لِرَدَاءَتِهِ، أَوْ لِسُوءِ تَرْتِيبٍ فِي اسْتِعْمَالِهِ، أَوْ لِمَجْمُوعِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ بَعْضُهَا مِمَّا لَا يَتَخَلَّصُ الْإِنْسَانُ

اسم الکتاب : الطب النبوي المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 88
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست