responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطب النبوي المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 33
اعْتَرَفَ بِهِ حُذَّاقُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ، وَنُبَيِّنُ أَنَّ الطَّبِيعَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ أَشَدُّ شَيْءٍ انْفِعَالًا عَنِ الْأَرْوَاحِ، وَأَنَّ قُوَى الْعُوَذِ، وَالرُّقَى، وَالدَّعَوَاتِ، فَوْقَ قُوَى الْأَدْوِيَةِ، حَتَّى إِنَّهَا تُبْطِلُ قُوَى السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ فَسَادَ الْهَوَاءِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ السَّبَبِ التَّامِّ، وَالْعِلَّةِ الْفَاعِلَةِ لِلطَّاعُونِ، فَإِنَّ فَسَادَ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ الْمُوجِبِ لِحُدُوثِ الْوَبَاءِ وَفَسَادِهِ، يَكُونُ لِاسْتِحَالَةِ جَوْهَرِهِ إِلَى الرَّدَاءَةِ، لِغَلَبَةِ إِحْدَى الْكَيْفِيَّاتِ الرَّدِيئَةِ عَلَيْهِ، كَالْعُفُونَةِ، وَالنَّتَنِ وَالسُّمِّيَّةِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَوْقَاتِ السَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ حدوته فِي أَوَاخِرِ الصَّيْفِ، وَفِي الْخَرِيفِ غَالِبًا لِكَثْرَةِ اجْتِمَاعِ الْفَضَلَاتِ الْمَرَارِيَّةِ الْحَادَّةِ وَغَيْرِهَا فِي فَصْلِ الصَّيْفِ، وَعَدَمِ تَحَلُّلِهَا فِي آخِرِهِ، وَفِي الْخَرِيفِ لِبَرْدِ الْجَوِّ، وَرَدْغَةِ الْأَبْخِرَةِ وَالْفَضَلَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَتَحَلَّلُ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ، فَتَنْحَصِرُ، فَتَسْخَنُ، وَتُعَفَّنُ، فَتُحْدِثُ الْأَمْرَاضَ الْعَفِنَةَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا صَادَفَتِ الْبَدَنَ مُسْتَعِدًّا، قَابِلًا، رَهِلًا، قَلِيلَ الْحَرَكَةِ، كَثِيرَ الْمَوَادِّ، فَهَذَا لَا يَكَادُ يُفْلِتُ مِنَ الْعَطَبِ.
وأصح الفصول فيه فصل الربيع. قال بقراط: إِنَّ فِي الْخَرِيفِ أَشَدَّ مَا تَكُونُ مِنَ الْأَمْرَاضِ، وَأَقْتَلَ، وَأَمَّا الرَّبِيعُ، فَأَصَحُّ الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا وَأَقَلُّهَا مَوْتًا، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الصَّيَادِلَةِ، وَمُجَهِّزِي الْمَوْتَى أَنَّهُمْ يَسْتَدِينُونَ، وَيَتَسَلَّفُونَ فِي الرَّبِيعِ وَالصَّيْفِ عَلَى فَصْلِ الْخَرِيفِ، فَهُوَ رَبِيعُهُمْ، وَهُمْ أَشْوَقُ شَيْءٍ إِلَيْهِ، وَأَفْرَحُ بِقُدُومِهِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ: «إِذَا طَلَعَ النَّجْمُ ارْتَفَعَتِ الْعَاهَةُ عَنْ كُلِّ بَلَدٍ» [1] . وَفُسِّرَ بِطُلُوعِ الثُّرَيَّا، وَفُسِّرَ بِطُلُوعِ النَّبَاتِ زَمَنَ الرَّبِيعِ، وَمِنْهُ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ [2] فَإِنَّ كَمَالَ طُلُوعِهِ وَتَمَامَهُ يَكُونُ فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ، وَهُوَ الْفَصْلُ الَّذِي تَرْتَفِعُ فِيهِ الْآفَاتُ.
وَأَمَّا الثُّرَيَّا، فَالْأَمْرَاضُ تَكْثُرُ وَقْتَ طُلُوعِهَا مَعَ الْفَجْرِ وَسُقُوطِهَا.
قَالَ التميمي فِي كِتَابِ «مَادَّةِ الْبَقَاءِ» : أَشَدُّ أَوْقَاتِ السَّنَةِ فَسَادًا، وَأَعْظَمُهَا بَلِيَّةً عَلَى الْأَجْسَادِ وَقْتَانِ، أَحَدُهُمَا: وَقْتُ سُقُوطِ الثُّرَيَّا للمغيب عند طلوع الفجر.

[1] أخرجه محمد بن الحسن في الآثار، والطبراني في «الصغير» وأبو نعيم في تاريخ أصبهان بلفظ «إذا طلع النجم رفعت العاهة عن كل بلد» وإسناده صحح
[2] الرحمن- 6
اسم الکتاب : الطب النبوي المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 33
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست