responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطب النبوي المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 28
يُذْهِبُ الْبَلْغَمَ، وَيَغْسِلُ خَمْلَ الْمَعِدَةِ، وَيَدْفَعُ الْفَضَلَاتِ عَنْهَا، وَيُسَخِّنُهَا تَسْخِينًا مُعْتَدِلًا، وَيَفْتَحُ سُدَدَهَا، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ بِالْكَبِدِ وَالْكُلَى وَالْمَثَانَةِ، وَهُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا لِسُدَدِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ مِنْ كُلِّ حُلْوٍ.
وَهُوَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ، قَلِيلُ الْمَضَارِّ، مُضِرٌّ بِالْعَرَضِ لِلصَّفْرَاوِيِّينَ، وَدَفْعُهَا بِالْخَلِّ وَنَحْوِهِ، فَيَعُودُ حِينَئِذٍ نَافِعًا لَهُ جِدًّا.
وَهُوَ غِذَاءٌ مَعَ الْأَغْذِيَةِ، وَدَوَاءٌ مَعَ الْأَدْوِيَةِ، وَشَرَابٌ مَعَ الْأَشْرِبَةِ، وَحُلْوٌ مَعَ الْحَلْوَى، وَطِلَاءٌ مَعَ الْأطْلِيَةِ، وَمُفَرِّحٌ مع المفرّحات، فما خلق شَيْءٌ فِي مَعْنَاهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَلَا مِثْلُهُ، ولا قريبا مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ مُعَوَّلُ الْقُدَمَاءِ إِلَّا عَلَيْهِ، وَأَكْثَرُ كُتُبِ الْقُدَمَاءِ لَا ذِكْرَ فِيهَا لِلسُّكَّرِ الْبَتَّةَ، وَلَا يَعْرِفُونَهُ، فَإِنَّهُ حَدِيثُ الْعَهْدِ حَدَثَ قَرِيبًا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشر به بِالْمَاءِ عَلَى الرِّيقِ، وَفِي ذَلِكَ سِرٌّ بَدِيعٌ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا الْفَطِنُ الْفَاضِلُ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ ذِكْرِ هَدْيِهِ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ.
وَفِي «سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ» مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ لَعِقَ الْعَسَلَ ثَلَاثَ غَدَوَاتٍ كُلَّ شَهْرٍ، لَمْ يُصِبْهُ عَظِيمٌ مِنَ الْبَلَاءِ» [1] ، وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: «عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ: الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ» [2] . فَجَمَعَ بَيْنَ الطِّبِّ الْبَشَرِيِّ وَالْإِلَهِيِّ، وَبَيْنَ طِبِّ الْأَبْدَانِ، وَطِبِّ الْأَرْوَاحِ، وَبَيْنَ الدَّوَاءِ الْأَرْضِيِّ وَالدَّوَاءِ السَّمَائِيِّ.
إذَا عُرِفَ هَذَا، فَهَذَا الَّذِي وَصَفَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَسَلَ، كَانَ اسْتِطْلَاقُ بَطْنِهِ عَنْ تُخَمَةٍ أَصَابَتْهُ عَنِ امْتِلَاءٍ، فَأَمَرَهُ بِشُرْبِ الْعَسَلِ لِدَفْعِ الْفُضُولِ الْمُجْتَمِعَةِ فِي نَوَاحِي الْمَعِدَةِ وَالْأَمْعَاءِ، فَإِنَّ الْعَسَلَ فِيهِ جِلَاءٌ، وَدَفْعٌ لِلْفُضُولِ، وَكَانَ قَدْ أَصَابَ الْمَعِدَةَ أَخْلَاطٌ لَزِجَةٌ، تَمْنَعُ اسْتِقْرَارَ الْغِذَاءِ فِيهَا لِلُزُوجَتِهَا، فَإِنَّ الْمَعِدَةَ لَهَا خَمْلٌ كَخَمْلِ الْقَطِيفَةِ، فَإِذَا عَلِقَتْ بِهَا الْأَخْلَاطُ اللَّزِجَةُ، أَفْسَدَتْهَا وَأَفْسَدَتِ الْغِذَاءَ، فَدَوَاؤُهَا بِمَا يَجْلُوهَا مِنْ تِلْكَ الْأَخْلَاطِ، وَالْعَسَلُ جِلَاءٌ، وَالْعَسَلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا عُولِجَ بِهِ هَذَا الدَّاءُ، لا سيما إن مزج بالماء الحار.

[1] «من لعق العسل» وتخصيص الثلاث لسر علمه الشارع. والعسل يذكر ويؤنث، وأسماؤه تزيد على المائة. وأخرج الحديث ابن ماجه عن أبي هريرة. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات. وقال العقيلي: ليس لهذا الحديث أصل.
[2] أخرجه ابن ماجه والحاكم في الطب عن ابن مسعود. قال الحاكم: صحيح على شرطهما أي البخاري ومسلم. وقال البيهقي في الشعب: صحيح موقوف على ابن مسعود
اسم الکتاب : الطب النبوي المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 28
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست