responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطب النبوي المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 208
وَالْخُضُوعِ وَالتَّعْظِيمِ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَعَبُّدُ الْقَلْبِ لِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا تُنَالُ بِهِ دَرَجَةُ أَفَاضِلِ الْمُوَحِّدِينَ وَسَادَاتِهِمْ، وَخَوَاصِّ الْأَوْلِيَاءِ، فَلَوْ كَانَ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ كَالشَّمْسِ، كَانَ غَلَطًا وَوَهْمًا، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفْظُ الْعِشْقِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ الْبَتَّةَ.
ثُمَّ إِنَّ الْعِشْقَ مِنْهُ حَلَالٌ، وَمِنْهُ حَرَامٌ، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى كُلِّ عَاشِقٍ يَكْتُمُ وَيَعِفُّ بِأَنَّهُ شَهِيدٌ، فَتَرَى مَنْ يَعْشَقُ امْرَأَةَ غَيْرِهِ، أَوْ يَعْشَقُ الْمُرْدَانَ وَالْبَغَايَا، يَنَالُ بِعِشْقِهِ دَرَجَةَ الشُّهَدَاءِ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ دِينِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالضَّرُورَةِ؟ كَيْفَ وَالْعِشْقُ مَرَضٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهَا الْأَدْوِيَةَ شَرْعًا وَقَدَرًا، وَالتَّدَاوِي مِنْهُ إِمَّا وَاجِبٌ إِنْ كَانَ عِشْقًا حَرَامًا، وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ.
وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ الْأَمْرَاضَ وَالْآفَاتِ الَّتِي حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهَا بِالشَّهَادَةِ، وَجَدْتَهَا مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي لَا عِلَاجَ لها، كالمطعون، والمبطون، والمجنون، والحريق، وَالْغَرِيقِ، وَمَوْتِ الْمَرْأَةِ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ بَلَايَا مِنَ اللَّهِ لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهَا، وَلَا عِلَاجَ لَهَا، وَلَيْسَتْ أَسْبَابُهَا مُحَرَّمَةً، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ فَسَادِ الْقَلْبِ وَتَعَبُّدِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِشْقِ، فَإِنْ لَمْ يَكْفِ هَذَا فِي إِبْطَالِ نِسْبَةِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَلِّدْ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ الْعَالِمِينَ بِهِ وَبِعِلَلِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ إِمَامٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَطُّ أَنَّهُ شَهِدَ لَهُ بِصِحَّةٍ، بَلْ وَلَا بِحُسْنٍ، كَيْفَ وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَى سويد هَذَا الْحَدِيثَ، وَرَمَوْهُ لِأَجْلِهِ بِالْعَظَائِمِ، وَاسْتَحَلَّ بَعْضُهُمْ غَزْوَهُ لِأَجْلِهِ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ فِي «كَامِلِهِ» : هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ مَا أُنْكِرَ عَلَى سويد، وَكَذَلِكَ قَالَ البيهقي: إِنَّهُ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي «الذَّخِيرَةِ» وَذَكَرَهُ الحاكم فِي «تَارِيخِ نَيْسَابُورَ» وَقَالَ: أَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدَّثْ بِهِ عَنْ غَيْرِ سويد، وَهُوَ ثِقَةٌ، وذكره أبو الفرج ابن الْجَوْزِيُّ فِي كِتَابِ «الْمَوْضُوعَاتِ» ، وَكَانَ أبو بكر الأزرق يَرْفَعُهُ أَوَّلًا عَنْ سويد، فَعُوتِبَ فِيهِ، فَأَسْقَطَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَمِنَ الْمَصَائِبِ الَّتِي لَا تُحْتَمَلُ جَعْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَنْ لَهُ أَدْنَى إِلْمَامٍ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ، لَا يَحْتَمِلُ هَذَا الْبَتَّةَ، وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَدِيثِ الماجشون عَنِ ابن أبي

اسم الکتاب : الطب النبوي المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 208
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست