responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطب النبوي المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 132
الْقُلُوبِ، وَذِكْرِ عَدْلِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ، وَالرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْبَاطِلِ، كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا الْكَبِيرِ «مَدَارِجِ السَّالِكِينَ» فِي شَرْحِهَا. وَحَقِيقٌ بِسُورَةٍ هَذَا بَعْضُ شَأْنِهَا، أَنْ يُسْتَشْفَى بِهَا مِنَ الْأَدْوَاءِ، وَيُرْقَى بِهَا اللَّدِيغُ.
وَبِالْجُمْلَةِ فما تمنته الفاتحة ن إخلاص العبودية والثناء على الله، وتقويض الْأَمْرِ كُلِّهِ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَسُؤَالِهِ مَجَامِعَ النِّعَمِ كُلِّهَا، وَهِيَ الْهِدَايَةُ الَّتِي تَجْلِبُ النِّعَمَ، وَتَدْفَعُ النِّقَمَ، مِنْ أَعْظَمِ الْأَدْوِيَةِ الشَّافِيَةِ الْكَافِيَةِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَوْضِعَ الرُّقْيَةِ منها: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ مِنْ أَقْوَى أَجْزَاءِ هَذَا الدَّوَاءِ، فَإِنَّ فِيهِمَا مِنْ عُمُومِ التَّفْوِيضِ وَالتَّوَكُّلِ، وَالِالْتِجَاءِ وَالِاسْتِعَانَةِ، وَالِافْتِقَارِ وَالطَّلَبِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ أَعْلَى الْغَايَاتِ، وَهِيَ عِبَادَةُ الرَّبِّ وَحْدَهُ، وَأَشْرَفِ الْوَسَائِلِ وَهِيَ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا، وَلَقَدْ مَرَّ بِي وَقْتٌ بِمَكَّةَ سَقِمْتُ فِيهِ وَفَقَدْتُ الطَّبِيبَ وَالدَّوَاءَ، فَكُنْتُ أَتَعَالَجُ بِهَا، آخُذُ شَرْبَةً مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَقْرَؤُهَا عَلَيْهَا مِرَارًا، ثُمَّ أَشْرَبُهُ، فَوَجَدْتُ بِذَلِكَ الْبُرْءَ التَّامَّ، ثُمَّ صِرْتُ أَعْتَمِدُ ذَلِكَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْجَاعِ، فَأَنْتَفِعُ بِهَا غَايَةَ الانتفاع.

فصل
وفي تأثير الرّقى بالفاتحة وغيرها عِلَاجِ ذَوَاتِ السُّمُومِ سِرٌّ بَدِيعٌ، فَإِنَّ ذَوَاتِ السُّمُومِ أَثَّرَتْ بِكَيْفِيَّاتِ نُفُوسِهَا الْخَبِيثَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَسِلَاحُهَا حُمَاتُهَا الَّتِي تَلْدَغُ بِهَا، وَهِيَ لَا تَلْدَغُ حَتَّى تَغْضَبَ، فَإِذَا غَضِبَتْ، ثَارَ فِيهَا السُّمُّ، فَتَقْذِفُهُ بِآلَتِهَا، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، وَلِكُلِّ شَيْءٍ ضِدًّا وَنَفْسُ الرَّاقِي تَفْعَلُ فِي نَفْسِ الْمَرْقِيِّ، فَيَقَعُ بَيْنَ نَفْسَيْهِمَا فِعْلٌ وَانْفِعَالٌ، كَمَا يَقَعُ بَيْنَ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ، فَتَقْوَى نَفْسُ الرَّاقِي وَقُوَّتُهُ بِالرُّقْيَةِ عَلَى ذَلِكَ الدَّاءِ، فَيَدْفَعُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَمَدَارُ تَأْثِيرِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَدْوَاءِ عَلَى الْفِعْلِ وَالِانْفِعَالِ وَهُوَ كَمَا يَقَعُ بَيْنَ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ الطَّبِيعِيَّيْنِ، يَقَعُ بَيْنَ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ الرُّوحَانِيَّيْنِ، وَالرُّوحَانِيُّ، وَالطَّبِيعِيُّ، وَفِي النَّفْثِ وَالتَّفْلِ اسْتِعَانَةٌ بِتِلْكَ الرُّطُوبَةِ وَالْهَوَاءِ، وَالنَّفَسِ الْمُبَاشِرِ لِلرُّقْيَةِ، وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، فَإِنَّ الرُّقْيَةَ تَخْرُجُ مِنْ قَلْبِ الرَّاقِي وَفَمِهِ، فَإِذَا صَاحَبَهَا شَيْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ بَاطِنِهِ مِنَ الرِّيقِ وَالْهَوَاءِ وَالنَّفَسِ، كَانَتْ أتمّ

اسم الکتاب : الطب النبوي المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 132
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست