responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطب النبوي المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 100
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنْزَالُهُمَا: خَلْقُهُمَا وَوَضْعُهُمَا فِي الْأَرْضِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً» ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، فَلَفْظَةُ الْإِنْزَالِ أَخَصُّ مِنْ لَفْظَةِ الْخَلْقِ وَالْوَضْعِ، فَلَا يَنْبَغِي إِسْقَاطُ خُصُوصِيَّةِ اللَّفْظَةِ بِلَا مُوجِبٍ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنْزَالُهُمَا بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِمُبَاشَرَةِ الْخَلْقِ مِنْ دَاءٍ وَدَوَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ مُوَكَّلَةٌ بِأَمْرِ هَذَا الْعَالَمِ، وَأَمْرِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ مِنْ حِينِ سُقُوطِهِ فِي رَحِمِ أُمِّهِ إِلَى حِينِ مَوْتِهِ، فَإِنْزَالُ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ قَبْلَهُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ عَامَّةَ الْأَدْوَاءِ وَالْأَدْوِيَةِ هِيَ بِوَاسِطَةِ إِنْزَالِ الْغَيْثِ مِنَ السَّمَاءِ الَّذِي تَتَوَلَّدُ بِهِ الْأَغْذِيَةُ، وَالْأَقْوَاتُ، وَالْأَدْوِيَةُ، وَالْأَدْوَاءُ، وَآلَاتُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَسْبَابُهُ وَمُكَمِّلَاتُهُ، وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْمَعَادِنِ الْعُلْوِيَّةِ، فَهِيَ تَنْزِلُ مِنَ الْجِبَالِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْأَوْدِيَةِ وَالْأَنْهَارِ وَالثِّمَارِ، فَدَاخِلٌ فِي اللَّفْظِ عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيبِ وَالِاكْتِفَاءِ عَنِ الْفِعْلَيْنِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ يَتَضَمَّنُهُمَا، وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، بَلْ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ... حَتَى غَدَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا
[1] وَقَوْلِ الْآخَرِ:
وَرَأَيْتُ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا
[2] وَقَوْلِ الْآخَرِ:
إِذَا مَا الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا ... وَزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ وَالْعُيُونَا
[3] وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَبْلَهُ مِنَ الْوُجُوهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا من تمام حكمة الرب عزوجل، وَتَمَامِ رُبُوبِيَّتِهِ، فَإِنَّهُ كَمَا ابْتَلَى عِبَادَهُ بِالْأَدْوَاءِ، أَعَانَهُمْ عَلَيْهَا بِمَا يَسَّرَهُ لَهُمْ مِنَ الْأَدْوِيَةِ، وَكَمَا ابْتَلَاهُمْ بِالذُّنُوبِ أَعَانَهُمْ عَلَيْهَا بِالتَّوْبَةِ، وَالْحَسَنَاتِ الماحية والمصائب المفكرة، وَكَمَا ابْتَلَاهُمْ بِالْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، أَعَانَهُمْ عَلَيْهَا بِجُنْدٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ الطَّيِّبَةِ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ. وَكَمَا ابْتَلَاهُمْ بِالشَّهَوَاتِ أَعَانَهُمْ عَلَى قَضَائِهَا بِمَا يَسَّرَهُ لَهُمْ شَرْعًا وَقَدَرًا مِنَ الْمُشْتَهَيَاتِ اللَّذِيذَةِ النَّافِعَةِ، فَمَا ابْتَلَاهُمْ سُبْحَانَهُ بِشَيْءٍ إِلَّا أَعْطَاهُمْ مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ

اسم الکتاب : الطب النبوي المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 100
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست