responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 82
عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فِي هِجْرَتِهِ لَمَّا ظَهَرَ لَهُ صِدْقُهُ وَأَمَانَتُهُ؛ فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّبِعَ هَدْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَبُولِ الْحَقِّ مِمَّنْ جَاءَ بِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَعَدُوٍّ وَحَبِيبٍ وَبَغِيضٍ وَبَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَيَرُدُّ الْبَاطِلَ عَلَى مَنْ قَالَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يَقُولُ فِي مَجْلِسِهِ كُلَّ يَوْمٍ قَلَّمَا يُخْطِئُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ: اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ، هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ، إنَّ وَرَاءَكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ، وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ، حَتَّى يَقْرَأَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ، فَيُوشِكُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَقُولَ: قَرَأْت الْقُرْآنَ فَمَا أَظُنُّ أَنْ يَتْبَعُونِي حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ، فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتَدَعَ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَإِيَّاكُمْ وَزَيْغَةَ الْحَكِيمِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ بِكَلِمَةِ الضَّلَالَةِ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ، فَتَلَقَّوْا الْحَقَّ عَنْ مَنْ جَاءَ بِهِ، فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا، قَالُوا: وَكَيْف زَيْغَةُ الْحَكِيمِ؟ قَالَ: هِيَ الْكَلِمَةُ تَرُوعُكُمْ وَتُنْكِرُونَهَا وَتَقُولُونَ مَا هَذَا، فَاحْذَرُوا زَيْغَتَهُ، وَلَا يَصُدُّنَّكُمْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَفِيءَ وَأَنْ يُرَاجِعَ الْحَقَّ، وَإِنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانُهُمَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْحَاكِمَ بِالْحُجَّةِ الَّتِي تُرَجِّحُ الْحَقَّ إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مِثْلُهَا، وَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ وَمِنْ كُلِّ مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَنْ يَعْلَمَ مَا يَقَعُ ثُمَّ يَحْكُمُ فِيهِ بِمَا يَجِبُ، فَالْأَوَّلُ مَدَارُهُ عَلَى الصِّدْقِ وَالثَّانِي مَدَارُهُ عَلَى الْعَدْلِ، وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّك صِدْقًا وَعَدْلًا وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

[صِفَاتُ الْحَاكِمِ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ]
فَالْبَيِّنَاتُ وَالشَّهَادَاتُ تَظْهَرُ لِعِبَادِهِ مَعْلُومَةً، وَبِأَمْرِهِ وَشَرْعِهِ يَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَالْحُكْمُ إمَّا إبْدَاءٌ وَإِمَّا إنْشَاءٌ؛ فَالْإِبْدَاءُ إخْبَارٌ وَإِثْبَاتٌ وَهُوَ شَهَادَةٌ، وَالْإِنْشَاءُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَتَحْلِيلٌ وَتَحْرِيمٌ، وَالْحَاكِمُ فِيهِ ثَلَاثُ صِفَاتٍ؛ فَمِنْ جِهَةِ الْإِثْبَاتِ هُوَ شَاهِدٌ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هُوَ مُفْتٍ، وَمِنْ جِهَةِ الْإِلْزَامِ بِذَلِكَ هُوَ ذُو سُلْطَانٍ، وَأَقَلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ صِفَاتُ الشَّاهِدِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِالْعَدْلِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي نَفْسِهِ؛ فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَعْتَبِرُ إلَّا الْعَدَالَةَ، وَالشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ يَعْتَبِرُونَ مَعَهَا الِاجْتِهَادَ، وَأَحْمَدُ يُوجِبُ تَوْلِيَةَ الْأَصْلَحِ فَالْأَصْلَحِ مِنْ الْمَوْجُودِينَ؛ وَكُلُّ زَمَانٍ بِحَسَبِهِ، فَيُقَدَّمُ الْأَدْيَنُ الْعَدْلُ عَلَى الْأَعْلَمِ الْفَاجِرِ، وَقُضَاةُ السُّنَّةِ عَلَى قُضَاةِ الْجَهْمِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْجَهْمِيُّ أَفْقَهَ، وَلَمَّا سَأَلَهُ الْمُتَوَكِّلُ عَنْ الْقُضَاةِ أَرْسَلَ إلَيْهِ دَرَجًا مَعَ وَزِيرِهِ يَذْكُرُ فِيهِ تَوْلِيَةَ أُنَاسٍ وَعَزَلَ أُنَاسٍ، وَأَمْسَكَ عَنْ أُنَاسٍ، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُمْ، وَرُوجِعَ فِي بَعْضِ مَنْ سُمِّيَ لِقِلَّةِ عَمَلِهِ فَقَالَ: لَوْ لَمْ يُوَلُّوهُ لَوَلَّوْا

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 82
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست