responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 80
وَالشَّافِعِيُّ يَقْتُلُ بِاللِّعَانِ دُونَ الْقَسَامَةِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا مَا يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَإِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُدَّعِي إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، فَأَمَّا إذَا تَرَجَّحَ جَانِبُهُ بِشَاهِدٍ أَوْ لَوَثٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، بَلْ بِالشَّاهِدِ الْمُجْتَمَعِ مِنْ تَرْجِيحِ جَانِبِهِ وَمِنْ الْيَمِينِ؛ وَقَدْ حَكَمَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِإِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ بِالْوَلَدِ لِتَرَجُّحِ جَانِبِهَا بِالشَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَإِيثَارِهَا لِحَيَاتِهِ وَرَضِيَ الْأُخْرَى بِقَتْلِهِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى إقْرَارِهَا لِلْأُخْرَى بِهِ.
وَقَوْلُهُ: " هُوَ ابْنُهَا " وَلِهَذَا كَانَ مِنْ تَرَاجُمِ الْأَئِمَّةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ " التَّوْسِعَةُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَا يَفْعَلُهُ أَفْعَلُ " لِيَسْتَبِينَ بِهِ الْحَقَّ، ثُمَّ تَرْجَمَ تَرْجَمَةً أُخْرَى أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ وَأَفْقَهَ فَقَالَ: " الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا يَعْتَرِفُ بِهِ الْمَحْكُومُ لَهُ إذَا تَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ " فَهَكَذَا يَكُونُ فَهْمُ الْأَئِمَّةِ مِنْ النُّصُوصِ وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَشْهَدُ الْعُقُولُ وَالْفِطَرُ بِهَا مِنْهَا؛ وَلَعَمْرُ اللَّهِ إنَّ هَذَا الْعِلْمُ النَّافِعُ لَا خَرْصَ الْآرَاءِ وَتَخْمِينَ الظُّنُونِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَفِي الْقَسَامَةِ يُقْبَلُ مُجَرَّدُ أَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ، وَلَا تُجْعَلُ أَيْمَانُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ دَافِعَةً لِلْقَتْلِ؛ وَفِي اللِّعَانِ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا حَلَفَ الزَّوْجُ مُكِّنَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهَا بِأَيْمَانِهَا، وَلَا تُقْتَلُ بِمُجَرَّدِ أَيْمَانِ الزَّوْجِ، فَمَا الْفَرْقُ؟ قِيلَ: هَذَا مِنْ كَمَالِ الشَّرِيعَةِ وَتَمَامِ عَدْلِهَا وَمَحَاسِنِهَا فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي الْقَسَامَةِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الدَّمِ، وَقَدْ جُعِلَتْ الْأَيْمَانُ الْمُكَرَّرَةُ بَيِّنَةً تَامَّةً مَعَ اللَّوَثِ، فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى أَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي اللِّعَانِ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ حَقُّ لِلَّهِ وَهُوَ حَدُّ الزِّنَا، وَلَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الزَّوْجَ أَنْ يَحْلِفَ أَيْمَانًا مُكَرَّرَةً وَمُؤَكَّدَةً بِاللَّعْنَةِ أَنَّهَا جَنَتْ عَلَى فِرَاشِهِ وَأَفْسَدَتْهُ، فَلَيْسَ لَهُ شَاهِدٌ إلَّا نَفْسَهُ، وَهِيَ شَهَادَةٌ ضَعِيفَةٌ، فَمُكِّنَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تُعَارِضَهَا بِأَيْمَانٍ مُكَرَّرَةٍ مِثْلِهَا، فَإِذَا نَكَلَتْ وَلَمْ تُعَارِضْهَا صَارَتْ أَيْمَانُ الزَّوْجِ مَعَ نُكُولِهَا بَيِّنَةً قَوِيَّةً لَا مُعَارِضَ لَهَا؛ وَلِهَذَا كَانَ الْأَيْمَانُ أَرْبَعَةً لِتَقُومَ مَقَامَ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَكَّدَتْ بِالْخَامِسَةِ هِيَ الدُّعَاءُ عَلَى نَفْسِهِ بِاللَّعْنَةِ إنْ كَانَ كَاذِبًا، فَفِي الْقَسَامَةِ جُعِلَ اللَّوَثُ وَهُوَ الْأَمَارَةُ الظَّاهِرَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قَتَلُوهُ شَاهِدًا، وَجُعِلَتْ الْخَمْسِينَ يَمِينًا شَاهِدًا آخَرَ، وَفِي اللِّعَانِ جُعِلَتْ أَيْمَانُ الزَّوْجِ كَشَاهِدٍ وَنُكُولُهَا كَشَاهِدٍ آخَرَ.
[لَا يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَى شَهَادَةِ ذَكَرَيْنِ أَصْلًا] .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَقِفْ الْحُكْمَ فِي حِفْظِ الْحُقُوقِ أَلْبَتَّةَ عَلَى شَهَادَةِ ذَكَرَيْنِ، لَا فِي الدِّمَاءِ وَلَا فِي الْأَمْوَالِ وَلَا فِي الْفُرُوجِ وَلَا فِي الْحُدُودِ، بَلْ قَدْ حَدَّ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 80
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست