responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 78
كَذَلِكَ، بَلْ هَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ، فَيَنْظُرُ مَا حُكِمَ لِأَجْلِهِ إنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ حُكْمِهِ عُدِّيَ إلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى الطَّلَاقِ فَإِنْ حَلَفَ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ» ، وَقَدْ احْتَجَّ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَالْفُقَهَاءُ قَاطِبَةً تَصْحِيفَةَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي أَئِمَّةِ الْفَتْوَى إلَّا مَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا وَاحْتَجَّ بِهَا، وَإِنَّمَا طَعَنَ فِيهَا مَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ أَعْبَاءَ الْفِقْهِ وَالْفَتْوَى كَأَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ وَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمَا؛ وَفِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَنَّهُ يَقْضِي فِي الطَّلَاقِ بِشَاهِدٍ وَمَا يَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ آخَرَ مِنْ النُّكُولِ وَيَمِينِ الْمَرْأَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا وَحَلَفَ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ فَيَمِينُ الزَّوْجِ عَارَضَتْ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ، وَتَرَجَّحَ جَانِبُهُ بِكَوْنِ الْأَصْلِ مَعَهُ؛ وَأَمَّا إذَا نَكَلَ الزَّوْجُ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ نُكُولُهُ مَعَ يَمِينِ الْمَرْأَةِ كَشَاهِدٍ آخَرَ، وَلَكِنْ هُنَا لَمْ يَقْضِ بِالشَّاهِدِ وَيَمِينِ الْمَرْأَةِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا، وَهُوَ أَحْفَظُ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ، فَإِذَا نَكَلَ وَقَامَ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ وَحَلَفَتْ الْمَرْأَةُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا ظَاهِرًا جِدًّا عَلَى صِدْقِ الْمَرْأَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَفِي الْأَمْوَالِ إذَا قَامَ شَاهِدٌ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي حُكِمَ لَهُ، وَلَا تُعْرَضُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ «إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ وَحَلَفَ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ» .
قِيلَ: هَذَا مِنْ تَمَامِ حِكْمَةِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَجَلَالَتِهَا، أَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا كَانَ أَعْلَمَ بِنَفْسِهِ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا، وَكَانَ أَحْفَظَ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ وَأَعْقَلَ لَهُ وَأَعْلَمَ بِنِيَّتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ قَدْ تَكَلَّمَ بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ أَوْ بِلَفْظٍ يَظُنُّهُ الشَّاهِدُ طَلَاقًا وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَالشَّاهِدُ يَشْهَدُ بِمَا سَمِعَ، وَالزَّوْجُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَمُرَادِهِ، جَعَلَ الشَّارِعُ يَمِينَ الزَّوْجِ مُعَارَضَةً لِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَيُقَوِّي جَانِبَهُ الْأَصْلُ وَاسْتِصْحَابُ النِّكَاحِ، فَكَانَ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ مُجَرَّدِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، فَإِذَا نَكَلَ قَوِيَ الْأَصْلُ فِي صِدْقِ الشَّاهِدِ، فَقَاوَمَ مَا فِي جَانِبِ الزَّوْجِ، فَقَوَّاهُ الشَّارِعُ بِيَمِينِ الْمَرْأَةِ، فَإِذَا حَلَفَتْ مَعَ شَاهِدِهَا وَنُكُولِ الزَّوْجِ قَوِيَ جَانِبُهَا جِدًّا، فَلَا شَيْءَ أَحْسَنُ وَلَا أَبْيَنُ وَلَا أَعْدَلُ مِنْ هَذِهِ الْحُكُومَةِ، وَأَمَّا الْمَالُ الْمَشْهُودُ بِهِ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا قَالَ: أَقْرَضْتُهُ أَوْ بِعْتُهُ أَوْ أَعَرْتُهُ، أَوْ قَالَ: غَصَبَنِي أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا الْأَمْرُ لَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْمَطْلُوبَ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِنِيَّتِهِ وَقَصْدِهِ، وَلَيْسَ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ شَوَاهِدِ صِدْقِهِ مَا مَعَ الزَّوْجِ مِنْ بَقَاءِ عِصْمَةِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مُجَرَّدُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَقَدْ عُهِدَ كَثْرَةُ اشْتِغَالِهَا بِالْمُعَامَلَاتِ،

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 78
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست