responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 74
الْحُقُوقِ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُلْتَقِطَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ ذَوَيْ عَدْلٍ، وَلَا يَكْتُمْ، وَلَا يُغَيِّبْ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِاللُّقَطَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قُبِلَ بِالِاتِّفَاقِ، بَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ وَصْفِ صَاحِبِهَا لَهَا.
وَقَالَ تَعَالَى فِي شَهَادَةِ الْمَالِ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَقَالَ فِي الْوَصِيَّةِ وَالرَّجْعَةِ {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] لِأَنَّ الْمُسْتَشْهِدَ هُنَاكَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَهُوَ يَأْتِي بِمَنْ يَرْضَاهُ لِحِفْظِ حَقِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا كَانَ هُوَ الْمُضَيِّعُ لَحِقَهُ، وَهَذَا الْمُسْتَشْهِدُ يَسْتَشْهِدُ بِحَقٍّ ثَابِتٍ عِنْدَهُ، فَلَا يَكْفِي رِضَاهُ بِهِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي نَفْسِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ هُنَاكَ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ هُوَ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَهُ بِمَنْ يَرْضَاهُ، وَإِذَا قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ: أَنَا رَاضٍ بِشَهَادَةِ هَذَا عَلَيَّ، فَفِي قَبُولِهِ نِزَاعٌ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ، بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّ فِيهِمَا حَقًّا لِلَّهِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ فِيهَا حَقٌّ لِغَائِبٍ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمَرْأَةِ: «أَلَيْسَ شَهَادَتُهُمَا بِنِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟» فَأَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ، وَيُوَضِّحُهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمُدَّعِي لَمَّا قَالَ: هَذَا غَصَبَنِي أَرْضِي، فَقَالَ: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ حَكَمَ لَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا يَقُومُ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» إشَارَةٌ إلَى الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي شِعَارُهَا الشَّاهِدَانِ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ لَفْظُ " شَاهِدَانِ " مَعْنَاهُ دَلِيلَانِ يَشْهَدَانِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ رَجُلَانِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا وَالْمَرْأَتَانِ دَلِيلٌ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ، يُوَضِّحُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ الْمُدَّعِي بِحُجَّةٍ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيَمِينُهُ كَشَهَادَةِ آخَرَ؛ فَصَارَ مَعَهُ دَلِيلَانِ يَشْهَدَانِ أَحَدُهُمَا الْبَرَاءَةُ وَالثَّانِي الْيَمِينُ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَمَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ قَالَ: النُّكُولُ إقْرَارٌ أَوْ بَدَلٌ، وَهَذَا جَيِّدٌ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ الْحَقَّ دُونَ الْمُدَّعِي، قَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: تَحْلِفُ أَنَّك بِعْتَهُ وَمَا بِهِ عَيْبٌ تَعْلَمُهُ، فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفْ قَضَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْأَكْثَرُونَ فَيَقُولُونَ: إذَا نَكَلَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَكُونُ نُكُولُ النَّاكِلِ دَلِيلًا، وَيَمِينُ الْمُدَّعِي ثَانِيًا؛ فَصَارَ الْحُكْمُ بِدَلِيلَيْنِ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَالشَّارِعُ إنَّمَا جَعَلَ الْحُكْمَ فِي الْخُصُومَةِ بِشَاهِدَيْنِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَحْكُمُ لَهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، وَالْخَصْمُ مُنْكِرٌ، وَقَدْ يَحْلِفُ أَيْضًا، فَكَانَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ يُقَاوِمُ الْخَصْمَ الْمُنْكِرَ؛ فَإِنَّ إنْكَارَهُ وَيَمِينَهُ كَشَاهِدٍ، وَيَبْقَى الشَّاهِدُ الْآخَرُ خَبَرُ عَدْلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ؛ فَهُوَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 74
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست