responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 57
كَانَتْ هِمَمُهُمْ مَقْصُورَةً عَلَى تَنْفِيذِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، فَإِذَا وَقَعَ بِهِمْ أَمْرٌ سَأَلُوا عَنْهُ فَأَجَابَهُمْ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة: 101] {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} [المائدة: 102] .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا: هَلْ هِيَ أَحْكَامٌ قَدَرِيَّةٌ أَوْ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَقِيلَ: إنَّهَا أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا، أَيْ سَكَتَ عَنْ تَحْرِيمِهَا فَيَكُونُ سُؤَالُهُمْ عَنْهَا سَبَبُ تَحْرِيمِهَا، وَلَوْ لَمْ يَسْأَلُوا لَكَانَتْ عَفْوًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْحَجِّ أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَقَالَ: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ، ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» ؛ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْمَذْكُورُ «إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا» الْحَدِيثَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: «إنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُّوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» وَفُسِّرَتْ بِسُؤَالِهِمْ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْقَدَرِيَّةِ؛ «كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ» ؟ وَقَوْلِ آخَرَ: «أَيْنَ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فِي النَّارِ» .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْآيَةَ تَعُمُّ النَّهْيَ عَنْ النَّوْعَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] أَمَّا فِي أَحْكَامِ الْخَلْقِ وَالْقَدَرِ فَإِنَّهُ يَسُوءُهُمْ أَنْ يَبْدُوَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُونَهُ مِمَّا سَأَلُوا عَنْهُ، وَأَمَّا فِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ يَسُوءُهُمْ أَنْ يَبْدُوَ لَهُمْ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَكْلِيفُهُ مِمَّا سَأَلُوا عَنْهُ، وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة: 101] فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقُرْآنَ إذَا نَزَلَ بِهَا ابْتِدَاءً بِغَيْرِ سُؤَالٍ فَسَأَلْتُمْ عَنْ تَفْصِيلِهَا وَعِلْمِهَا أَبْدَى لَكُمْ وَبَيَّنَ لَكُمْ، وَالْمُرَادُ بِحِينِ النُّزُولِ زَمَنُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ، لَا الْوَقْتُ الْمُقَارِنُ لِلنُّزُولِ، وَكَأَنَّ فِي هَذَا إذْنًا لَهُمْ فِي السُّؤَالِ عَنْ تَفْصِيلٍ الْمُنَزَّلِ وَمَعْرِفَتِهِ بَعْدَ إنْزَالِهِ؛ فَفِيهِ رَفْعٌ لِتَوَهُّمِ الْمَنْعِ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ الْأَشْيَاءِ مُطْلَقًا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّهْدِيدِ وَالتَّحْذِيرِ، أَيْ مَا سَأَلْتُمْ عَنْهَا فِي وَقْتِ نُزُولِ الْوَحْيِ جَاءَكُمْ بَيَانُ مَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ بِمَا يَسُوءُكُمْ، وَالْمَعْنَى لَا تَتَعَرَّضُوا لِلسُّؤَالِ عَمَّا يَسُوءُكُمْ بَيَانُهُ، وَإِنْ تَعَرَّضْتُمْ لَهُ فِي زَمَنِ الْوَحْيِ أَبْدَى لَكُمْ.
وَقَوْلُهُ: {عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} [المائدة: 101] أَيْ عَنْ بَيَانِهَا خَبَرًا وَأَمْرًا، بَلْ طُوِيَ بَيَانُهَا عَنْكُمْ رَحْمَةً وَمَغْفِرَةً وَحِلْمًا وَاَللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ؛ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَفَا اللَّهُ عَنْ التَّكْلِيفِ بِهَا تَوْسِعَةً عَلَيْكُمْ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي عَفَا اللَّهُ عَنْ بَيَانِهَا لِئَلَّا يَسُوءَكُمْ بَيَانُهَا.
وَقَوْلُهُ: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} [المائدة: 102] أَرَادَ نَوْعَ تِلْكَ الْمَسَائِلِ، لَا

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 57
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست