responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 54
حِفْظِهِ، فَلَمْ يَتَعَدَّوْا فِي اسْتِعْمَالِهِ قَدْرَ الضَّرُورَةِ، وَلَمْ يَبْغُوا الْعُدُولَ إلَيْهِ مَعَ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ النُّصُوصِ وَالْآثَارِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْمُضْطَرِّ إلَى الطَّعَامِ الْمُحَرَّمِ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] فَالْبَاغِي: الَّذِي يَبْتَغِي الْمَيْتَةَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى الْمُذَكَّى، وَالْعَادِي: الَّذِي يَتَعَدَّى قَدْرَ الْحَاجَةِ بِأَكْلِهَا.

[الرَّأْيُ الْبَاطِلُ وَأَنْوَاعُهُ]
فَالرَّأْيُ الْبَاطِلُ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: الرَّأْيُ الْمُخَالِفُ لِلنَّصِّ، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ فَسَادُهُ وَبُطْلَانُهُ، وَلَا تَحِلُّ الْفُتْيَا بِهِ وَلَا الْقَضَاءُ، وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ مَنْ وَقَعَ بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ وَتَقْلِيدٍ.
النَّوْعُ الثَّانِي: هُوَ الْكَلَامُ فِي الدِّينِ بِالْخَرْصِ وَالظَّنِّ، مَعَ التَّفْرِيطِ وَالتَّقْصِيرِ فِي مَعْرِفَةِ النُّصُوصِ وَفَهْمِهَا وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْهَا، فَإِنَّ مَنْ جَهِلَهَا وَقَاسَ بِرَأْيِهِ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، بَلْ لِمُجَرَّدِ قَدْرٍ جَامِعٍ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ أَلْحَقَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، أَوْ لِمُجَرَّدِ قَدْرِ فَارِقٍ يَرَاهُ بَيْنَهُمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى النُّصُوصِ وَالْآثَارِ؛ فَقَدْ وَقَعَ فِي الرَّأْيِ الْمَذْمُومِ الْبَاطِلِ.
فَصْلٌ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: الرَّأْيُ الْمُتَضَمِّنُ تَعْطِيلَ أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ بِالْمَقَايِيسِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي وَضَعَهَا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ، حَيْثُ اسْتَعْمَلَ أَهْلُهُ قِيَاسَاتِهِمْ الْفَاسِدَةَ وَآرَاءَهُمْ الْبَاطِلَةَ وَشُبَهَهُمْ الدَّاحِضَةَ فِي رَدِّ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ؛ فَرَدُّوا لِأَجْلِهَا أَلْفَاظَ النُّصُوصِ الَّتِي وَجَدُوا السَّبِيلَ إلَى تَكْذِيبِ رُوَاتِهَا وَتَخْطِئَتِهِمْ، وَمَعَانِي النُّصُوصِ الَّتِي لَمْ يَجِدُوا إلَى رَدِّ أَلْفَاظِهَا سَبِيلًا، فَقَابَلُوا النَّوْعَ الْأَوَّلَ بِالتَّكْذِيبِ، وَالنَّوْعَ الثَّانِيَ بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ، فَأَنْكَرُوا لِذَلِكَ رُؤْيَةَ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنْكَرُوا كَلَامَهُ وَتَكْلِيمَهُ لِعِبَادِهِ، وَأَنْكَرُوا مُبَايَنَتَهُ لِلْعَالَمِ، وَاسْتِوَاءَهُ عَلَى عَرْشِهِ، وَعُلُوَّهُ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ، وَعُمُومَ قُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، بَلْ أَخْرَجُوا أَفْعَالَ عِبَادِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَنْ تَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَتَكْوِينِهِ لَهَا، وَنَفَوْا لِأَجْلِهَا حَقَائِقَ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَخْبَرَ بِهِ رَسُولُهُ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ؛ وَحَرَّفُوا لِأَجْلِهَا النُّصُوصَ عَنْ مَوَاضِعِهَا، وَأَخْرَجُوهَا عَنْ مَعَانِيهَا وَحَقَائِقِهَا بِالرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ الَّذِي حَقِيقَتُهُ أَنَّهُ ذُبَالَةُ الْأَذْهَانِ وَنُخَالَةُ الْأَفْكَارِ وَعُفَارَةُ الْآرَاءِ وَوَسَاوِسُ الصُّدُورِ، فَمَلَئُوا بِهِ الْأَوْرَاقَ سَوَادًا، وَالْقُلُوبَ شُكُوكًا، وَالْعَالَمَ فَسَادًا، وَكُلُّ مَنْ لَهُ مَسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ يَعْلَمُ أَنَّ فَسَادَ الْعَالَمِ وَخَرَابِهِ إنَّمَا نَشَأَ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 54
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست