responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 297
مَنْ اسْتَثْنَى الْجَارِيَ خَاصَّةً، وَفَرَّقُوا بَيْنَ مُلَاقَاةِ الْمَاءِ فِي الْإِزَالَةِ إذَا وَرَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَمُلَاقَاتِهَا لَهُ إذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ بِفُرُوقٍ: مِنْهَا أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى النَّجَاسَةِ فَهُوَ فَاعِلٌ وَإِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ فَهُوَ مَوْرُودٌ مُنْفَعِلٌ وَهُوَ أَضْعَفُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ وَارِدًا فَهُوَ جَارٍ وَالْجَارِي لَهُ قُوَّةٌ، وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ وَارِدًا فَهُوَ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ وَمَا دَامَ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ فَلَهُ عَمَلٌ وَقُوَّةٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَأَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ فَهُوَ نَجَسٌ أَيْضًا، وَهُوَ فِي حَالِ تَغَيُّرِهِ لَمْ يُزِلْهَا، وَإِنَّمَا خَفَّفَهَا، وَلَا تَحْصُلْ الْإِزَالَةُ الْمَطْلُوبَةُ إلَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمَائِعَاتِ كُلِّهَا: أَنْ يُسَيِّرَ النَّجَاسَةِ إذَا اسْتَحَالَتْ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِيهِ لَوْنٌ وَلَا طَعْمٌ وَلَا رَائِحَةٌ فَهِيَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَا مِنْ الْخَبَائِثِ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمَاءُ لَا يَنْجُسُ» وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْمَاءَ لَا يَجْنُبُ» وَهُمَا نَصَّانِ صَرِيحَانِ فِي أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ، وَلَا يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي إزَالَةِ الْحَدَثِ، وَمَنْ نَجَّسَهُ بِالْمُلَاقَاةِ أَوْ سَلَبَ طَهُورِيَّتَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَقَدْ جَعَلَهُ يَنْجُسُ وَيَجْنُبُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَبَتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ» وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، فَالْمَاءُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى يَكُونُ هَذَا حُكْمُهُ، وَحَدِيثُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ مَعْمَرٍ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ بَيَّنَهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَغَيْرُهُمَا، وَيَكْفِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ مَعْمَرٌ حَدِيثَ التَّفْصِيلِ قَدْ رَوَى عَنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ خِلَافَ مَا رَوَى عَنْهُ مَعْمَرٌ، وَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى بِأَنَّهَا تُلْقَى وَمَا حَوْلَهَا وَيُؤْكَلُ الْبَاقِي فِي الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ، فَهَذِهِ فُتْيَاهُ، وَهَذَا اسْتِدْلَالُهُ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَئِمَّةِ عَنْهُ، فَقَدْ اُتُّفِقَ عَلَى ذَلِكَ النَّصُّ وَالْقِيَاسُ، وَلَا يَصْلُحُ لِلنَّاسِ سِوَاهُ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ الْأَقْوَالِ فَمُتَنَاقِضٌ لَا يُمْكِنُ صَاحِبَهُ طَرْدُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، فَظَهَرَ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْقِيَاسِ فِيمَا خَالَفَ النَّصَّ لَا فِيمَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ.

[فَصَلِّ طَهَارَةُ الْخَمْرِ بِالِاسْتِحَالَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَطَهَارَةُ الْخَمْرِ بِالِاسْتِحَالَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ لِوَصْفِ الْخُبْثِ، فَإِذَا زَالَ الْمُوجِبُ زَالَ الْمُوجَبُ، وَهَذَا أَصْلُ الشَّرِيعَةِ فِي مَصَادِرِهَا وَمَوَارِدِهَا بَلْ وَأَصْلُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَعَلَى هَذَا فَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ تَعْدِيَةُ ذَلِكَ إلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ إذَا اسْتَحَالَتْ، وَقَدْ «نَبَشَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ، وَلَمْ يَنْقُلْ التُّرَابَ» وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عَنْ اللَّبَنِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الدَّابَّةَ إذَا عُلِفَتْ بِالنَّجَاسَةِ ثُمَّ حُبِسَتْ وَعُلِفَتْ بِالطَّاهِرَاتِ حَلَّ لَبَنُهَا وَلَحْمُهَا، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 297
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست