responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 291
الْعَمَلُ الْمَقْصُودُ بِهِ الْمَالُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ] : أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَقْصُودًا مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَهَذِهِ الْإِجَارَةُ اللَّازِمَةُ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَقْصُودًا، لَكِنَّهُ مَجْهُولٌ أَوْ غَرَرٌ، فَهَذِهِ الْجَعَالَةُ، وَهِيَ عَقْدٌ جَائِزٌ لَيْسَ بِلَازِمٍ، فَإِذَا قَالَ " مَنْ رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ فَلَهُ مِائَةٌ " فَقَدْ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ وَقَدْ لَا يَقْدِرُ، وَقَدْ يَرُدُّهُ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، فَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً، لَكِنْ هِيَ جَائِزَةٌ، فَإِنْ عَمِلَ الْعَمَلَ اسْتَحَقَّ الْجَعْلَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَعْلُ فِيهَا إذَا حَصَلَ بِالْعَمَلِ جُزْءًا شَائِعًا وَمَجْهُولًا جَهَالَةً لَا تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ، كَقَوْلِ أَمِيرِ الْغَزْوِ " مَنْ دَلَّ عَلَى حِصْنٍ فَلَهُ ثُلُثُ مَا فِيهِ " أَوْ يَقُولُ لِلسَّرِيَّةِ الَّتِي يَسِيرُ بِهَا " لَكُمْ خُمُسُ مَا تَغْنَمُونَ أَوْ رُبْعُهُ ".
وَتَنَازَعُوا فِي السَّلَبِ: هَلْ هُوَ مُسْتَحَقٌّ بِالشَّرْعِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَوْ بِالشَّرْطِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، فَمَنْ جَعَلَهُ مُسْتَحَقًّا بِالشَّرْطِ جَعَلَهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَمِنْ ذَلِكَ إذَا جَعَلَ لِلطَّبِيبِ جُعْلًا عَلَى الشِّفَاءِ جَازَ، كَمَا أَخَذَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَطِيعَ مِنْ الشَّاءِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُمْ سَيِّدُ الْحَيِّ، فَرَقَاهُ أَحَدُهُمْ حَتَّى بَرِئَ، وَالْجُعْلُ كَانَ عَلَى الشِّفَاءِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ طَبِيبًا إجَارَةً لَازِمَةً عَلَى الشِّفَاءِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الشِّفَاءَ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ، فَقَدْ يَشْفِيهِ اللَّهُ وَقَدْ لَا يَشْفِيهِ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ الْجَعَالَةُ، دُونَ الْإِجَارَةِ اللَّازِمَةِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ فَهُوَ: مَا لَا يُقْصَدُ فِيهِ الْعَمَلُ، بَلْ الْمَقْصُودُ فِيهِ الْمَالُ، وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ، فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ فِي نَفْسِ عَمَلِ الْعَامِلِ كَالْمُجَاعِلِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لَهُ قَصْدٌ فِي عَمَلِ الْعَامِلِ، وَلِهَذَا لَوْ عَمِلَ مَا عَمِلَ وَلَمْ يَرْبَحْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ سَمَّى هَذَا جَعَالَةً بِجُزْءٍ مِمَّا يَحْصُلُ مِنْ الْعَمَلِ كَانَ نِزَاعًا لَفْظِيًّا، بَلْ هَذِهِ مُشَارَكَةٌ: هَذَا بِنَفْعِ مَالِهِ، وَهَذَا بِنَفْعِ بَدَنِهِ، وَمَا قَسَمَ اللَّهُ مِنْ رِبْحٍ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْإِشَاعَةِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِرِبْحٍ مُقَدَّرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ فِي الشَّرِكَةِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُزَارَعَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرِطُونَ لِرَبِّ الْأَرْضِ زَرْعَ بُقْعَةٍ بِعَيْنِهَا، وَهُوَ مَا نَبَتَ عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ: إنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرٌ لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذُو الْبَصِيرَةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مُوجَبُ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ شُرِطَ فِي الْمُضَارَبَةِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنَّ مَبْنَى الْمُشَارَكَاتِ عَلَى الْعَدْلِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِذَا خُصَّ أَحَدُهُمَا بِرِبْحٍ دُونَ الْآخَرِ لَمْ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 291
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست