responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 259
يَمْنَعُ اسْتِصْحَابَ مَا ثَبَتَ لَهُ قَبْلَ التَّبَدُّلِ، فَكَذَلِكَ تَبَدُّلُ وَصْفِهِ وَحَالِهِ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِصْحَابَ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ ذَلِكَ الْوَصْفَ الْحَادِثَ نَاقِلًا لِلْحُكْمِ مُثْبِتًا لِضِدِّهِ، كَمَا جَعَلَ الدِّبَاغَ نَاقِلًا لِحُكْمِ نَجَاسَةِ الْجِلْدِ، وَتَخْلِيلَ الْخَمْرِ نَاقِلًا لِلْحُكْمِ بِتَحْرِيمِهَا، وَحُدُوثَ الِاحْتِلَامِ نَاقِلًا لِحُكْمِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْقَى التَّمَسُّكُ بِالِاسْتِصْحَابِ صَحِيحًا، وَأَمَّا مُجَرَّدُ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ اسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ، وَالنِّزَاعُ فِي رُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَاسْتِيلَادِ الْأَمَةِ لَا يُوجِبُ رَفْعَ مَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ: إنَّهُ قَدْ زَالَ حُكْمُ الِاسْتِصْحَابِ بِالنِّزَاعِ الْحَادِثِ، فَإِنَّ النِّزَاعَ لَا يَرْفَعُ مَا ثَبَتَ مِنْ الْحُكْمِ، فَلَا يُمْكِنُ الْمُعْتَرِضَ رَفْعُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ الْحَادِثَ جَعَلَهُ الشَّارِعُ دَلِيلًا عَلَى نَقْلِ الْحُكْمِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مُعَارِضًا فِي الدَّلِيلِ لَا قَادِحًا فِي الِاسْتِصْحَابِ، فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ التَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

[الْخَطَأُ الرَّابِعُ اعْتِقَاد أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِينَ وَشُرُوطَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ كُلَّهَا عَلَى الْبُطْلَانِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ]
فَصْلٌ [الْأَصْلِيُّ فِي الشُّرُوطِ الصِّحَّةُ أَوْ الْفَسَادُ؟]
الْخَطَأُ الرَّابِعُ لَهُمْ: اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِينَ وَشُرُوطَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ كُلَّهَا عَلَى الْبُطْلَانِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ شَرْطٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ اسْتَصْحَبُوا بُطْلَانَهُ، فَأَفْسَدُوا بِذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ مُعَامَلَاتِ النَّاسِ وَعُقُودِهِمْ وَشُرُوطِهِمْ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ. وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ الصِّحَّةُ إلَّا مَا أَبْطَلَهُ الشَّارِعُ أَوْ نَهَى عَنْهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِهَا حُكْمٌ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّأْثِيمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَا تَأْثِيمَ إلَّا مَا أَثَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ فَاعِلَهُ، كَمَا أَنَّهُ لَا وَاجِبَ إلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ، وَلَا حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ، وَلَا دِينَ إلَّا مَا شَرَعَهُ، فَالْأَصْلُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبُطْلَانُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الْأَمْرِ، وَالْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ وَالْمُعَامَلَاتِ الصِّحَّةُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الْبُطْلَانِ وَالتَّحْرِيمِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - لَا يُعْبَدُ إلَّا بِمَا شَرَعَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ حَقُّهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَحَقُّهُ الَّذِي أَحَقَّهُ هُوَ وَرَضِيَ بِهِ وَشَرَعَهُ، وَأَمَّا الْعُقُودُ وَالشُّرُوطُ وَالْمُعَامَلَاتُ فَهِيَ عَفْوٌ حَتَّى يُحَرِّمَهَا، وَلِهَذَا نَعَى اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عَلَى الْمُشْرِكِينَ مُخَالَفَةَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ - وَهُوَ تَحْرِيمُ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ، وَالتَّقَرُّبُ إلَيْهِ بِمَا لَمْ يُشَرِّعْهُ - وَهُوَ - سُبْحَانَهُ - لَوْ سَكَتَ عَنْ إبَاحَةِ ذَلِكَ وَتَحْرِيمِهِ لَكَانَ ذَلِكَ عَفْوًا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِتَحْرِيمِهِ وَإِبْطَالِهِ، فَإِنَّ الْحَلَالَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَالْحَرَامَ مَا حَرَّمَهُ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ، فَكُلُّ شَرْطٍ وَعَقْدٍ وَمُعَامَلَةٍ سَكَتَ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 259
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست