responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 256
الدَّلِيلِ، وَالْمُعَارِضُ يُسَلِّمُ دَلَالَتَهُ وَيُقِيمُ دَلِيلًا عَلَى نَقِيضِهِ.
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ إلَى أَنَّهُ يَصْلُحُ لِإِبْقَاءِ الْأَمْرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ انْتِفَاءُ النَّاقِلِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْأَمْرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
[اسْتِصْحَابُ الْوَصْفِ الْمُثْبِتِ لِلْحُكْمِ]
ثُمَّ النَّوْعُ الثَّانِي اسْتِصْحَابُ الْوَصْفِ الْمُثْبِتِ لِلْحُكْمِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ، وَهُوَ حُجَّةٌ، كَاسْتِصْحَابِ حُكْمِ الطَّهَارَةِ وَحُكْمِ الْحَدَثِ وَاسْتِصْحَابِ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَبَقَاءِ الْمِلْكِ وَشُغْلِ الذِّمَّةِ بِمَا تَشْغَلُ بِهِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّ الشَّارِعُ عَلَى تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي الصَّيْدِ " وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فَلَا تَأْكُلْهُ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي: الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ " وَقَوْلِهِ: " وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ " لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الذَّبَائِحِ التَّحْرِيمَ وَشَكَّ هَلْ وُجِدَ الشَّرْطُ الْمُبِيحُ أَمْ لَا؟ بَقِيَ الصَّيْدُ عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَمْ يُزِلْهَا بِالشَّكِّ، وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الْمُتَطَهِّرِ عَلَى طَهَارَتِهِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْوُضُوءِ مَعَ الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ، بَلْ قَالَ: " لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا "، وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الصَّلَاةِ فِي ذِمَّتِهِ أُمِرَ الشَّاكُّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْيَقِينِ وَيَطْرَحَ الشَّكَّ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا رَفْعُهُ لِلنِّكَاحِ الْمُتَيَقَّنِ بِقَوْلِ الْأَمَةِ السَّوْدَاءِ إنَّهَا أَرْضَعَتْ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّ أَصْلَ الْأَبْضَاعِ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ الزَّوْجَةُ بِظَاهِرِ الْحَالِ مَعَ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً، وَقَدْ عَارَضَ هَذَا الظَّاهِرَ ظَاهِرٌ مِثْلُهُ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ الشَّهَادَةُ، فَإِذَا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا وَبَقِيَ أَصْلُ التَّحْرِيمِ لَا مُعَارِضَ لَهُ، فَهَذَا الَّذِي حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ وَمَحْضُ الْقِيَاسِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَلَمْ يَتَنَازَعْ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا النَّوْعِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ لِتَجَاذُبِ الْمَسْأَلَةِ أَصْلَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ.
مِثَالُهُ أَنَّ مَالِكًا مَنَعَ الرَّجُلَ إذَا شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصَّلَاةِ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا نُخْرِجُهُ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالشَّكِّ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا نُدْخِلُهُ فِي الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ، فَيَكُونُ قَدْ خَرَجَ مِنْهَا الشَّكُّ، فَإِنْ قُلْتُمْ: يَقِينُ الْحَدَثِ قَدْ ارْتَفَعَ بِالْوُضُوءِ فَلَا يَعُودُ بِالشَّكِّ، قَالَ مُنَازِعُهُمْ: وَيَقِينُ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ قَدْ ارْتَفَعَ بِالْوُجُوبِ فَلَا يَعُودُ بِالشَّكِّ، قَالُوا: وَالْحَدِيثُ الَّذِي تَحْتَجُّونَ بِهِ مِنْ أَكْبَرِ حُجَجِنَا، فَإِنَّهُ مَنَعَ الْمُصَلِّيَ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا بِالشَّكِّ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ تَجْوِيزِ الدُّخُولِ فِيهَا بِالشَّكِّ؟
وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا فَإِنَّ مَالِكًا يُلْزِمُهُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ طَلَاقًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ مِمَّا تُزِيلُ أَثَرَهُ الرَّجْعَةُ أَمْ لَا؟ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصَحُّ، فَإِنَّ النِّكَاحَ مُتَيَقَّنٌ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَلَمْ يُعَارِضْ يَقِينَ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 256
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست